العرب اليوم
سلاح العراق “السري”
ناهض حتّر
الأولوية، الآن، هي لمنع الوحش الأميركي من اصطياد العراق!
ذلك الوحش الحائز أعتى صنوف القوة، والمنفلت من كل القيود الأخلاقية والقانونية، هائج حقاً، تتلاطم رغباته العنصرية المجنونة (التدمير والقتل) والاستعمارية “العقلانية” (الاحتلال وتنصيب حكومة دمى) والرأسمالية اللصوصية (السيطرة على النفط العراقي) معاً.
وفي ظل موازين قوى لا تسمح بالمجابهة، ليس أمام بغداد سوى الانسحاب المنظم إلى المواقع الخلفية. وهي بدأت– وإنْ متأخرة– حملة مضادة ذكية من “التنازلات” المصممة للتأثير على مطبخ القرار الأميركي. وقد يكون. فذلك القرار لم يُتَّخذ بعد. وليس صحيحاً ما قاله نائب الرئيس العراقي، طه ياسين رمضان عن أن العدوان حاصل، عاد المفتشون أم لا. إنه تبشير ضد الذات، يستعيد الخطاب الأميركي الذي يتجاهل المتغيرات العراقية، ويصر على حتمية العدوان. وكأنه هدف إلهي!
لا، ليس ثمة ما يمنع من توسيع دائرة الأصدقاء والمحايدين، وعزل توجهات الحرب الأميركية، وكشفها باعتبارها– كما هي فعلاً–عنصرية محضة وهمجية محضة ولصوصية محضة.
الأمر جَدّ. ونأمل– من القلب– أن تأخذه بغداد جداً… فتواصل، من دون كلل، مبادراتها إلى الداخل الأميركي، وإثارة النقاش، وكسب الوقت للمزيد من المبادرات نحو منع حصول إجماع أميركي ودولي على الحرب.
اللغة الخشبية الحربجية يجب أن تزول من الخطاب العراقي، نحو لغة حيوية هادئة عصرية قادرة على الاستقطاب. واللغة الحربجية لا تفيد في الاستهلاك المحلي والعربي لأن موازين القوى معروفة، وليس ثمة من يصدق النفج؛ ولكنها– بالمقابل– تُستخدم، أميركياً وأوربياً، في التحريض ضد العراق.
هذه ليست مناظرة تلفزيونية، بل ممارسة واقعية للسياسة. وهنا، يصبح مضحكاً “تأكيد” المسؤولين العراقيين وجزمهم بأن العدوان حتمي مهما قدم العراق من مبادرات! إنهم، بذلك، يصادرون على حركتهم، ويبثون اليأس في قلوب أصدقائهم، ويبعدون المترددين عنهم إلى المعسكر الأخر.
في الممارسة السياسية هناك أهداف ووسائل. وإذا كان الهدف هو منع العدوان. فالقول إنه حاصل مهما فعلنا… يخدم المعتدين، ويحقق أغراضهم. والهدف (منع العدوان) ممكن واقعياً، ويحتاج إلى بذل جهود استثنائية وإطلاق القدرات الإبداعية، والخيال السياسي وتحشيد القوى على مستويات عدة. وهذا يتم بالتراجع المنظم المرفوق بهجمة دبلوماسية واسعة.
***
… ويبقى أن “التنازل” المطلوب من القيادة العراقية، هو ذلك الموجه نحو الداخل، نحو الشعب العراقي الذي يعاني الويلات منذ أكثر من عشرين عاماً. وهو يستحق أن يتم الإصغاء جيداً لصوته ومطالبه ونبضه وآماله.
***
المبادرات نحو الداخل الأميركي جيدة جداً … ولكن المبادرات الأهم المنتظرة هي تلك التي يتعطش إليها الداخل العراقي: إلغاء الأحكام العرفية والقوانين والإجراءات والأوضاع الاستثنائية، والإعلان، من دون تباطؤ، عن انتخابات حرة تحت إشراف جامعة الدول العربية، تنبثق عنها حكومة وطنية ديمقراطية تمثل جميع الأحزاب الوطنية والفئات العراقية.
فليتحمل الشعب العراقي المسؤولية. فليواجه الأميركيون، الشعب العراقي… وليس “النظام” أو “حزب العبث”!! فالديمقراطية المقاتلة البناءة في العراق، الآن، هي السلاح “السرّي” القادر حقاً على إفشال العدوان الأميركي… والأطماع الإقليمية.