ناهض حتر
العرب اليوم
يحار المراقب السياسي من مواقف جيران العراق، إزاء العدوان الأميركي-البريطاني على أرضه وسيادته وقدراته.
وسأضع الكويت جانباً. فهي جزء لا يتجزأ من “التحالف”… بل انه، من دون الأراضي الكويتية الموضوعة تحت تصرف الغزاة، ما كانت الحرب ممكنة أصلاً. وليس صحيحاً أن الكويت لم تكن تملك أو هي لا تملك اليوم أن تقول: لا. فالكويت دولة مستقلة ذات سيادة ونظام برلماني. وكان بإمكانها أن ترفض، كالسعودية، توفير المنطلق لحرب غير شرعية. وأنا أرى أن الكويت ارتبطت بمغامرة استراتيجية على المستويين الراهن والبعيد المدى. فلقد اتضح الآن أن الحرب طويلة، وهي ستؤثر، سلبياً، على أمن الكويت واقتصادها. ولكن الأهم والأخطر أنها– أي الكويت– أصبحت، منذ عبرت أول دبابة أميركية–بريطانية، الحدود الكويتية-العراقية، عرضة للسؤال أمام محكمة الشرعية والتاريخ… وكذلك، بالطبع، للانتقام سواء من نظام الرئيس صدام حسين، إذا بقي – وهو سيبقى على الأرجح– أو من نظام عراقي جديد سيبحث عن شرعيته… خصوصاً بتجديد المطالبة بالكويت! فياله من مأزق!
***
ثم… نأتي إلى إيران، فهل نضعها جانباً؟
تتجاهل إيران أنها–مع العراق وكوريا الشمالية– “عضو أصيل” في “محور الشر” بالنسبة للإمبراطورية الأميركية. إيران هدف أميركي معلن وقريب المنال بالنظر إلى وجود القوات الاستعمارية على حدودها الأفغانية وحدودها العراقية معاً. إنها كماشة استراتيجية تكاد تُطبق على “الجمهورية الإسلامية الإيرانية”، لولا المقاومة العراقية البطولية المديدة. ان تقديم الدعم والمساندة، سياسياً، وعسكرياً، لهذه المقاومة، هو خط الدفاع الأول عن إيران “المحايدة” التي تنظر إلى ما يجري في العراق بثلاثة عيون: عين فارسية راضية عن الدمار الذي يلحق بالعراق والعراقيين انتقاماً من القادسيتين؛ وعين براجماتية تحاول أن تستنقذ الجمهورية الإسلامية ومصالحها من النار الأميركية؛ وعين إيديولوجية عقائدية تنتظر الانهيار العراقي لكي تحاول أن تؤسس لها موطئ قدم على أنقاض العراق! فتؤجل دخول قوات المعارضة.
يحار المراقب السياسي من مواقف جيران العراق إزاء العدوان الأميركي– البريطاني على أرضه.
وسأضع الكويت جانباً. فهي جزء لا يتجزأ من ((التحالف)) بل إنها تتحمل كامل المسؤولية عن العدوان الاستعماري، خصوصاً وانها لا تقول إنها مضطرة لتقديم معظم الأراضي الكويتية لتحشيد وانطلاق القوات الغازية، بل تؤكد أنها تريد ذلك وملتزمة به، في مغامرة تاريخية بشرعية الكيان الكويتي ومستقبله. إن خسارة الكويت، جراء هذه الحرب الاستعمارية، ومهما تكن نتائجها، هي خسارة كاملة، ذلك أن الكويت فقدت رأسمالها الرمزي 100 بالمئة.
وإيران … هل نضعها جانباً؟ لا. فإيران هي– مع العراق وكوريا الشمالية-عضو في “محور الشر” بالنسبة لواشنطن. فهي هدف معلن. بالإضافة إلى أنها غدت، بالنظر إلى وجود القوات الأميركية على حدودها الأفغانية، وحدودها العراقية معاً، هدفاً واقعياً لكمّاشة استراتيجية. إن المقاومة العراقية البطولية المديدة هي التي بإمكانها، فقط، أن تحمي الإيرانيين من مغامرة أميركية جديدة. ولذلك، فإن لطهران مصلحة ذاتية مباشرة في دعم الجهود القتالية العراقية. لكن الموقف الإيراني، في الحقيقة، محايد. ويحاول أن يكرر، في عماء استراتيجي، الحياد الإيراني في حرب الخليج الثانية، ناسياً أن السياق مختلف كلياً. فقد كان العدوان الأميركي على العراق، العام 1991، مغطىً دولياً وعربياً. وكان هناك جدل حول دوافع الحرب، سيما وان الدخول العراقي للكويت، أعطى للمعتدين ذريعة لا يمكن تجاهلها. أما الآن، فالأمر مختلف. إن التحالف الأميركي-البريطاني يقوم بعدوان ذي أهداف استعمارية سافرة ضد العراق، من دون أي تغطية دولية أو عربية وهناك في إيران اتجاهان، فارسي يضمر للعراق عداء مستحكماً. ولا يغضبه الدمار الذي يحوق بالعراقيين، وبراجماتي يأمل بأن صمته على العدوان، سوف يذري الشيعية إلى الأراضي العراقية إلى ما بعد نهاية الحرب الاستعمارية. فهذه “القوات المؤمنة” لم تتأسس لمقاومة الامبرياليين بل للتمرد على نظام الرئيس صدام حسين أو للمشاركة في تقسيم العراق طائفياً، من بعده!
غير أن الموقف الإيراني الحالي “المحايد” سيعود وبالاً على أصحابه. فهم سيخسرون صدقيتهم السياسية نهائياً وإلى الأبد. وسيواجهون، لاحقاً، “ناصراً” جديداً في بغداد أو جنرالاً أميركياً يخطط لإخضاعهم عنوة.
إن الأغلبية العربية الساحقة تصطف، اليوم، إلى جانب العراق، وإلى جانب الرئيس صدام حسين. وإذا خرج الأخير منها سالماً وغانماً، فلن تكون إيران أمام ذلك النظام العراقي المعزول الضعيف الذي حطمته حرب الـ 1991، بل أمام زعيم عربي من وزن عبد الناصر. وبالمقابل، فإن هزيمة العراق ستؤدي إلى خلل استراتيجي في المنطقة، ستكون إيران من بين الذين سيدفعون ثمنه الغالي. والفرصة الوحيدة المتاحة أمامها للحفاظ على قدراتها ومصالحها ونفوذها، هي الفرصة التي تتيحها، الآن، المقاومة العراقية. ولذلك، إذا كانت طهران تفكّر في المستقبل، فسنراها تفعل شيئاً ما جدياً لتدعيم المعسكر العراقي في هذه المجابهة التاريخية.
***