ناهض حتّر
وضع الأردن ثقله وراء المدرسة الليبرالية الاقتصادية. وكان هناك اعتقاد بأن هذا الاتجاه سوف يستمر طويلاً، مدفوعاً بعدة اعتبارات، من بينها حدوث فورة استثمارية قادرة على انتشال الاغلبية من وهدة البطالة والفقر وتحسين مستوى المعيشة والحياة لكن الذي حدث، طوال الست سنوات الفائتة، على أيدي الليبراليين الاقتصاديين هو التفلت من القيود الاجتماعية الوطنية، وإطلاق برامج عاصفة من الخصخصة وتشجيع الاستثمارات التي تركزت في حقلين رئيسيين هما العقارات والأوراق المالية، وقد تمكنت أقلية من رجال الأعمال من الجمع بين المال والنفوذ، وتكوين ثروات فاحشة جداً، من دون ان تحدث في البلاد، عملية تنمويّة متكاملة وشاملة، تؤدي إلى ازدهار الفئات المتوسطة، وتحسين مستوى حياة الفقراء. بالعكس، لم يعد هؤلاء يجدون مجالاً للمناورة الاجتماعية وقد خسروا كل شيء في بلد عصفت به الليبرالية الاقتصادية في كل المجالات، بما في ذلك الخدمات العامة كالتعليم والطبابة والبنى التحتية اللازمة لمصالح الفئات الشعبية.
رفقة هذه التحولات الاقتصادية والاجتماعية لمصلحة الأغنياء، جرى احتلال العراق، وخسر الأردن، المنحة النفطية، وانتهت «المهلة التعويضية» وواجهت البلاد خيار رفع الدعم عن المشتقات النفطية بنسب منهكة للأغلبية الشعبية حد الإعياء، ومعطلة لنمو الاقتصاد الوطني، ومطلقة لموجة واسعة من الارتفاعات في معظم أسعار السلع والخدمات.
وعند هذه النقطة اتضح بالملموس ان برنامج الليبرالية الاقتصادية لا مستقبل له، وانه يقود البلاد الى وضع متأزم اجتماعياً وسياسياً في ظل ظروف تعقيد الازمات الاقليمية.
وهكذا جاءت اللحظة التي لا بد منها، من أجل وضع حد لهيمنة المدرسة الليبرالية، وإعطاء الفرصة للمدرسة الاجتماعية. ففي رسالة الملك الى رئيس وزرائه، ما يمكن ان نسميه مراجعة جذرية للسياسة الاقتصادية -الاجتماعية، تبدأ من النقطة المفصلية في هذا المجال، وهي العدالة في معايير تحصيل ضريبة الدخل، باتجاهين:
الأول: تحميل أصحاب الدخول المرتفعة ما يستحق عليهم من ضرائب هي -بحكم الدستور -تصاعدية. وبالتالي استعادة الدولة والمجتمع لقسم من أرباح الرأسماليين، التي حققوها، أساساً، بفضل سياسات رسمية وتضحيات شعبية لم يعد ممكناً تقديم المزيد منها.
الثاني: تحصيل هذه الضرائب فعلاً. أي وقف عمليات التهرب الضريبي، والتي أصبحت تمثل دخلاً فائتاً ضخماً جداً بالنسبة الى خزينة الدولة.
تبقى، بالطبع، المسألة الأهم. وهي إعادة تدوير التحصيلات الضرائبية الجديدة في برامج اجتماعية فعالة. ومنها دعم السلع الرئيسية والخدمات والبلديات وبنوك الفقراء وتشجيع والمساهمة في تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، كثيفة العمالة.