ناهض حتّر
أشكر للزملاء والأصدقاء الأعزاء اهتمامهم بمقالتي الأولى عن السيد «مولينكس»؛ راجياً توضيح ما يلي:
أولاً-انني لم أقصد بقولي “عبد الحميد الكاتب”، مطلقاً، الإشارة إلى الصديق العزيز الاستاذ مؤنس الرزاز، الذى أكنّ له، بالرغم من خلافي السياسي مع اعضاء الحزب الذي ينتمي اليه، كل محبة وتقدير؛
ثانياً -ان “عبد الحميد الكاتب”، هو عبد الحميد الكاتب؛ وهذه لا تحتاج الى ذكاء؛
ثالثاً-ان جميع الشخصيات المشار اليها في هذه السلسلة من المقالات، هي شخصيات من صنع الخيال الأدبي، أو غير الأدبي، ولا علاقة لها، مطلقا، بأيّ شخصية واقعية.
***
الظاهرة «المولنكسية» ليست جديدة في الحياة الثقافية -السياسية العربية. وكان احمد فؤاد نجم، يصف السيد «مولينكس» القديم بقوله:
“يتمركس بعض الايام
يتمسلم بعض الايام
ويصاحب كل الحكام
وبستعشر ملّة”
أما اليوم، وبعد أن تطورت التقنية تطوراً عاصفاً، صار السيد «مولينكس» القديم الذي هجاه نجم مسكيناً ومحترماً. فأنا أعرف «مولينكساً» جديداً يستطيع أن يفرم علاقاته مع سبع سفارات أجنبية وعربيّة على الأقل، ويخلطها، ويذّوقها، صانعاً، في النهاية، صحناً «وطنياً ديمقراطياً» تعافه النفس، وتأكله الأحزاب «اليسارية» بالهناء والشفاء!
إنكم تعرفونه ذلك «المولينكس» الصغير الحجم الكثير الأفعال، وسأحدثكم عنه يوماً؛ ولكنني، الآن، بصدد الحديث عن «مولينكس» آخر وسيم، بسّام، حلو الطلّة؛ كان مرة قومياً -ماركسياً، ثم صار قومياً -ليبرالياً، ثم ليبرالياً -قومياً، ثم صار «ليبقومياً» متأردناً، “متتونساً”، ينافح عن «حقوق الانسان» و«العقلانية» و«الواقعية».
مستشار ويحلم بالوزارة، ووزير قيد الطلب، يزعل من العواطف والعاطفيين، ويتخذ لنفسه تكشيرة صغيرة تناسب المقام، وتوحي بالابتسامة.
أعطانا من قلمه الكثير من الدرر في نقد أوهامنا عن حركة التحرر القومي العربيّة، وتبصيرنا بأفضلية نوري السعيد على عبد الناصر، وكميل شمعون على عبد الحميد السرّاج، وصالح جبر على صدّام حسين؛ وكيف كان الاوائل على حق فظلمناهم، وسرنا، من هبلنا، وراء الأخيرين، فدهورونا والعياذ بالله!
والسيد «مولينكس» هذا أصلي، يذكّر «باليويو». واليويو، كما تعلمون، لعبة مكونة من كرة مربوطة بخيط مطاط وحلقة، يضع المرء-اللاعب، الحلقة في اصبعه (الاوسط غالباً) ويرمي بالكرة، فيرجعها خيط المطاط اليه، وهكذا دواليك. و«اليويو» أحجام وألوان، تذهب يميناً ويساراً، أعلى وأسفل، تقترب وتبتعد… ولكنها، في النهاية، مربوطة بالخيط، والخيط مربوط بالحلقة، والحلقة في الاصبع… اصبع مَنْ؟ هذا هو المهم والسرّي. فأحسن «اليويو» ما كان خيطه قوياً ولكن متماهياً غير منظور؛ فالأصل في «اليويو» هو إيهامك، يا واهم، بأن الكرة تتحرك وتتلوّن حرة، بينما هي مربوطة وممسوكة، وحسب الأصول!
وبالرغم من أن السيد «مولينكس» قيد الشرح، قد تجاوز مرحلة اليويو، وطوّر اساليبه «المولينكسيّة» تطويراً هائلاً، حين استطاع، مثلاً، أن يصنع عجّة ديمقراطية من فساد «البيض» او حين استطاع مثلاً، أن يفرم أحد رفاقه، محضراً منه، ومن حوائج حكومية اخرى، مقعداً نيابياً أمل أن يكون طريقه الشرعي إلى مقعد الوزارة لولا أن الدكتور عبد السلام… لا يحب النواب ولا الديمقراطيين! ويجب أن يوزّر من يشاء، كيف يشاء… غير آبه بمَنْ يدبّج لسياساته المجالية، خطابات قوموية!
ومع ذلك، فان السيد «مولينكس» موضع القول، لم يداخله اليأس من الدكتور عبد السلام… وهو يحضّر له أطباقاً عجيبة من مواد أعجب! وخذ، مثلاً، هذه، حين يقول:
-أنا مع العراق ضد أميركا، وأنا أؤيد الوحدة مع العراق وليس رفع الحصار عنه حسب. ولكن الحصار شأن قومي لا أردني. والأردن بلد عظيم، ولكنه صغير الأكتاف، ولا يستطيع أن يرفع الحصار عن العراق. فالحصار يجب أن يبقى على العراق الذي نقف معه ضد الامبريالية، ونتضامن مع شعبه، ونحلم بالوحدة معه. ويخلط لك كل هذه الأشياء في خلّاطه… فإذا هي وجهة نظر تستحق المناقشة!
وخذ هذه، أيضاً، حين يقول: أنا مع تحرير فلسطين من النهر إلى البحر. ولكننى ضد الانسحاب من المفاوضات مع إسرائيل، فهذا شأن عربي، وفوق طاقة الأردن. ولكن لا يفهمن أحد أن الأردن هين. الأردن له دور كبير. ودوره أن يكون أنموذجاً ديمقراطياً للعرب… وربما لغير العرب! وهذا يستوجب التغاضي عن دور الأردن “الصغير” في المفاوضات وشجونها؟
وأنا أسال الدكتور المجالي، إذا كان يعرف ماكنة مولينكس قادرة على أن تفرم معاً، كوسا قومية وخياراً علمياً، وبندورة أردنية، “وجعالات” تونسية، وفلفلاً عروبياً، وبامية واقعية وباذنجاناً ديمقراطياً وفاصولياء عقلانية، وتحضر منها جميعاً، طبقاً سلطوياً شهياً مثلما يفعل «اليويو»!؟
ألا يستحق اليويو… وزارة؟!