العرب اليوم
ناهض حتّر
لاول مرة، منذ قيام السلطة الفلسطينية العام 1993، يطرح مسؤول فلسطيني كبير، هو رئيس الوزراء ابو العلاء، اطروحة استراتيجية، تمثل بديلاً تاريخياً عن مأزق شعار الدولة الفلسطينية في حدود الـ 67، وذلك، حين اعلن، نهاية الاسبوع الماضي، امكانية انتهاج سياسة فلسطينية جديدة تتبنى شعار دولة واحدة ثنائية القومية في الاقليم الفلسطيني كله.
والسياسة الرسمية الفلسطينية-ويا للاسف-لها طابع تكتيكي صرف. ولذلك، رأى معظم المحللين-عن حق-ان تصريح ابو العلاء ليس مقصوداً لذاته، ولكن للضغط على الاسرائيليين للكف عن بناء الجدار العازل الذي يمزق الضفة الغربية، ويحول دون قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة.
بالمقابل، يطغى على سياسة المعارضة الفلسطينية، الطابع الايديولوجي، القوموي او الاسلاموي، انها من دون استراتيجية، وتعيش شقاء الازدواجية بين مقتضيات التماسك الايديولوجي ومقتضيات الوقائع السياسية والميدانية الصغيرة. وبين الرسميين والمعارضين، يتجرع الشعب الفلسطيني، مرارات النكسات المتتالية، وتتبدد تضحياته الجسام، ويدفع اثماناً باهظة جداً في مواجهة عدو شرس ومجرم واستئصالي.
وانا اتمنى لو ان ابو العلاء يعني ما يقول، مثلما اتمنى ان يبدأ الفلسطينيون حواراً وطنياً جاداً للتغيير الاستراتيجي، وهو حوار ينبغي الا يستثني احداً من الفلسطينيين سواء في مناطق الـ 67 ام في مناطق الـ 48 ام في مناطق الشتات. ويكون، بادئ ذي بدء، تعبيراً عن وحدة الشعب الفلسطيني، وتكريساً لها، نحو تطوير ميثاق وطني جديد، يكون قادراً ليس فقط على توحيد الفلسطينيين سياسياً، ولكن، ايضاً، على توحيدهم كشعب ما يزال ممزقاً، وعاجزاً، بالتالي، عن توظيف قدراته كلها في صالح التوصل الى حل عادل ودائم، اي الى حل تاريخي للمسألة الفلسطينية.
ان سياسات اليمين الاسرائيلي الحاكم، واجراءاته على الارض، تسير نحو انشاء وقائع ميدانية-سياسية، تحول دون انشاء دولة فلسطينية متصلة جغرافياً وسيدة وقابلة للحياة. غير ان تلك الوقائع ليست وحدها التي تجعل من شعار الدولة الفلسطينية المستقلة في حدود الـ 67، زائفاً. فلو افترضنا، بالمقابل، امكانية انسحاب اسرائيل الى حدود الـ 67، وتفكيك المستوطنات، وحل مشكلة القدس، وتنفيذ كامل مطالب السلطة الفلسطينية، كما تبلورت في الحد الاقصى الذي ترسمه وثيقة جنيف، تبقى هنالك وقائع صلدة تحول دون التوصل الى حل تاريخي للمسألة الفلسطينية، واهمها:
(1) ان مبدأ الدولتين ينسف، من حيث المبدأ، حق العودة للاجئين الفلسطينيين. ويرحل هذه المشكلة الى البلدان المضيفة. وذلك، لان مبدأ دولتين قوميتين في فلسطين، يقوم على ان احداهما «اسرائيل» هي الوطن القومي لليهود وثانيهما «فلسطين» هي الوطن القومي للفلسطينيين. وهو ما لا يشطب حق عودة اللاجئين الفلسطينيين الى مناطق الـ 48 فقط، بل يهدد شرعية مواطنة العرب في اسرائيل.
(2) ان الضفة الغربية وغزة لا تشكلان وحدة جغرافية واحدة ذات مقومات لبناء دولة فلسطينية قادرة على استيعاب اللاجئين والنازحين الفلسطينيين. ومناطق الـ 67 الضيقة والفقيرة والمكتظة بالسكان، لا تشكل، حتى في ظل سلام راسخ، مناطق جذب للفلسطينيين المهجرين.
(3) وهكذا، فان المضي في هذا الطريق، وبافتراض افضل النتائج، لن يقود الى حل مشكلة اربعة الى خمسة ملايين فلسطيني مهجر، لا ترتبط عودتهم الى الدولة الفلسطينية، فقط، بالامكانية السياسية «زوال الاحتلال»، ولكن بوجود فرص واقعية، اقتصادياً وجغرافياً، لاعادة توطينهم في الدولة الموعودة.
(4) ان استقلالية الدولة الفلسطينية في حدود الـ 67، ليست ممكنة واقعياً لسببين «أ» الاختلال في موازين القوى لمصلحة إسرائيل «ب» الارتباط التبعي العميق للاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الاسرائيلي.
(5) وهو ما يجعل احد البدائل الواقعية الممكنة لحل مشكلة الدولة الفلسطينية -اعني الكونفدرالية او الفيدرالية مع الاردن -مرفوضة اردنياً وعربياً، لان تلك الكونفدرالية «أو الفدرالية» سوف تلحق الاردن، ايضاً، بالتبعية الامنية والسياسية والاقتصادية لاسرائيل.
(6) ان تحقيق الحد الادنى من الاهداف الفلسطينية في بناء دولة ذات صدقية، يتطلب-على الاقل-مشاركة كل ابناء الشعب الفلسطيني في النضال من اجلها. ولكن -بما ان هذه «الدولة» لا تعني شيئاً لفلسطينيي اسرائيل او اللاجئين والنازحين في المهاجر، ولا تغير حياتهم نحو الاحسن، ولا تحل مشكلاتهم… فانهم غير معنيين، واقعياً، بالمشروع كله.
(7) بل ان «نجاح» حل الدولة الفلسطينية-الصعب جداً على كل حال-سوف يطرح على الفور تصعيداً في مشكلات اللاجئين والنازحين في البلدان المضيفة، ويزيد الضغوط على فلسطينيي اسرائيل.
وبالخلاصة، فان شعار الدولة الفلسطينية المستقلة، هو شعار زائف، ليس فقط لان تحقيقه غير ممكن في ظل موازين القوى القائمة، ولكن، ايضاً وبالاساس، لان تحقيقه، في احسن الشروط، لا يشكل حلاً تاريخياً للمسألة الفلسطينية. يتبع