العرب اليوم
شؤون اردنية
الاردن ليس دولة كرتونية بالطبع. فالجغرافيا السياسية الاردنية، بطبيعتها، دولتية، والاردنيون كانوا منذ مطلع التاريخ المعروف، اهل دولة واصحاب عصبية مقاتلة، وما زالوا، وقد تكون الدولة الاردنية في حجم امارة صغيرة مقاتلة مثل مملكة مؤاب او دولة كبيرة مهيمنة على الاقليم كله مثل دولة الانباط، او عماد امبراطورية عظمى مثل الخلافة الاموية او بالمقابل، في حجم مشيخة محلية مثل امارات «العدوان» و«بني صخر» والتنظيمات السياسية الدولتية للمتحدات الفلاحية في الكرك والسلط وعجلون… التي انخرطت في عصبية امارة شرق الاردن، وتالياً في المملكة الاردنية الهاشمية. فالأردن الدولة لم يغب عن التاريخ الا في انقطاعات قصيرة -وخصوصاً في الفترة العباسية الاولى، حين دفع الاردنيون غالياً جداً ثمن ولائهم الرجولي لبني امية-وكقارئ للتاريخ، ليس عندي أدني شك بانتصار الاردن الحتمي على العدوان الاسرائيلي، بل ولديّ اليقين باننا سننصب ذات يوم مسلة اخرى مثل مسلة ميشع الملك الاردني المنتصر على القطعان الهمجية اليهودية ومع ذلك فإننا نعيش، ويا للأسف، لحظة هزيمة وانكماش وتضاؤل… بحيث يضطر رئيس وزرائنا لان يقول «الاردن ليس دولة كرتونية!» وبحيث لا يكون عنده في مجابهة الانتصار الانتخابي الكبير لشارون والشارونية سوى القول بالانتظار! وانتظار ماذا؟ ان ينفذ رئيس الوزراء الاسرائيلي تهديداته بشأن تحويل الاردن، بالقوة، الى «القسم العربي» من «اسرائيل الكبرى» حيث المكان المقترح للدولة الفلسطينية؟!
انا، كوطني اردني، لا ارتجف امام شارون بل اعرف ان في قبضتي هزيمته، الا ان الاتحاد السوفياتي، على عظمته وقد كان احدى القوتين العظميين في العالم كله، انهار امام الهجمة الاعلامية -السياسية المدعومة بالقوة العسكرية الجبارة للولايات المتحدة الاميركية، حين لم تتوفر له نخبة سياسية مقررة قادرة على الدفاع عن الدولة… اولاً في الوجدان والفكر والسياسة. لقد اخترقت الحملة الأميركية العقل الجمعي للنخبة السوفياتية، وفتتته، وارعبت القلوب فجمدتها في انتظار… الانهيار!
***
ان الانتصار الانتخابي النوعي الذي حققه الارهابي المغامر آرئيل شارون ليس شأناً اسرائيلياً داخلياً… شارون لم ينجح لأنه وعد بزيادة الاجور، وهو ليس حدثاً سياسياً هامشياً بحيث نتجاوزه، وليس شارون بالشخصية السياسية الشابة الجديدة بحيث ننتظر مضمون سياساته في سدة القرار الاسرائيلي.
آرئيل شارون عقائدي، وعقيدته السياسية المعلنة تقوم على ما يلي:
– «إسرائيل التاريخية» تشمل فلسطين والاردن معاً،
-الاردن انتزع العام 1921 من ارض اسرائيل، لإنشاء دولة عربية لـ «عرب اسرائيل التاريخية».
-وعليه فان فلسطين من البحر الى النهر، هي «حصة اليهود وارض الدولة اليهودية».
-ووجود العرب في هذه الدولة اليهودية لا يمكن ان يكون له مضمون سياسي/سيادي، بل في أحسن الأحوال-وطالما ان الوضع الدولي لا يسمح بالتهجير الكثيف-تتفضل اسرائيل بمنحهم وجوداً مدنياً، ينظمه حكم ذاتي تحت السيادة الاسرائيلية.
-و5 حزيران 1967 لم يكن احتلالاً للضفة والقطاع، بل تحريراً للأجزاء التي كان يحتلها العرب من «حصة اسرائيل».
– ومشكلة الفلسطينيين السياسية هي عند الاردنيين وليس عند الاسرائيليين وما على الفلسطينيين سوى احداث انقلاب سياسي في الاردن، وانشاء الدولة الفلسطينية على ارضـ«هم».
وهذه ليست آراء شارون الشخصية، بل هو الرمز الوقح لها، للشارونية التي صوت الى جانبها معظم الاسرائيليين، بما يؤكد على ما يلي:
-ان المجتمع الاسرائيلي لا يرفض، حسب، السلام مع العرب، بل يؤيد، في شبه اجماع، التيار الصهيوني الاكثر تطرفاً.
-ان المجتمع الاسرائيلي، من خلال اختياره شارون بالذات، يريد لهذا التيار ان يتصرف على هواه. فشارون ليس فقط ذلك اليمين الصهيوني المتطرف، بل هو مغامر عسكرتاري وشغوف بالحروب واعادة رسم الخرائط الجغراسياسية بالقوة.
وهكذا، فان شارون، العقائدي، الذي حصل في النهاية على فورة تعفن المجتمع الاسرائيلي، لن ينهي حياته السياسية بالانقلاب على افكاره -كما ينتظر الواهمون -بل سينهيها «بطلاً» لعقائديته في مغامرة او مغامرات عدوانية.
***
انتصار شارون… والشارونية، «ديمقراطياً»، في اسرائيل يعني ان «الديمقراطية الاسرائيلية» قد تصلبت على مضمون عنصري رجعي عدواني سافر. وهي بذلك، تضع العرب بعامة، والفلسطينيين والاردنيين بخاصة، امام الجدار، في مواجهة لا مهرب منها.
وفيما يتصل بنا، نحن الاردنيين، فان النار وصلت الى ثيابنا… فلا نملك اذن ترف «الانتظار». ونحن نتوقع من الحكومة الاردنية مواقف واجراءات وتحركات خاصة، بقدر ما هو التحدي الشاروني خاص بنا، فاذا كان الاخوة الفلسطينيون ملزوزين بالاضطرار الى تهنئة شارون وفتح الخطوط السرية والعلنية معه، فنحن لسنا ملزوزين ويمكننا-بل هو واجبنا-ان نقاطع شارون وحكومته، جملة وتفصيلاً، وان نشن ازاءه وازاء عدوانيته للأردن وكيانه الوطني، حملة اعلامية سياسية كثيفة، وعلى كل مستوى، لتأمين استنهاض قوى المجتمع الاردني في مواجهته، واستنهاض الدعم العربي والتأييد الدولي للدولة الاردنية في مجابهة الخطر الشاروني.
ونتوقع، كذلك من الحكومة الاردنية ان تتخذ الاجراءات الكفيلة بوقف الاختراق الصهيوني لمجتمعنا ومؤسساتنا واقتصادنا وان تأخذ هي على عاتقها مهمات لجان مقاومة التطبيع بالإضافة الى ما هو ضروري من اجراءات امنية ودفاعية تأخذ الخطر العدواني الاسرائيلي، بعين الاعتبار، فلا تنام على حرير «المعاهدة» واحلام «العملية السلمية».
ثم نتوقع من الاعلام الاردني الرسمي والاهلي ان يخوض معركة الكيان الوطني الاردني بكل جوارحه عزيمة وانتباهاً وحساً بالمسؤولية التاريخية، ومن السنة السوء مهما كان فحيحها متستراً بسكر الثوروية او القوموية او الاسلاموية، ان تصمت… او تقطع، فليس مسموحاً، بعد، الاساءة للكيان الوطني الاردني، او التشكيك به، تحت اي ذريعة، ومن وراء اي شعار… فكل من ليس الان في خندق الكيان الوطني الاردني، يقاتل موضوعياً وعملياً، في خندق شارون والشارونية.
وانه لامتحان صعب نرجو ان تجتازه الاحزاب والقوى السياسية والهيئات والنقابات والمثقفون والكتاب والصحافيون والفنانون… فهنا، في هذه المعركة بالذات سوف يظهر من هم الوطنيون حقاً… ومن هم اصحاب «الاجندات الخاصة» المتسترون بالوطنية… بينما هم، حقيقة في الخندق الشاروني.
الحكومة تنتظر… فأين الأحزاب والنقابات والمثقفون…؟!لحظة الحقيقة: في معسكر الاردن او في معسكر شارون!؟
Posted in Uncategorized.