منطقة خطر
العدد 136
ناهض حتّر
لئن وجدنا، أمس، ان القوى الوطنية العربية الراهنة (القومية واليسارية والاسلامية) عاجزة عن حمل برنامج المواجهة مع المشروع الامبريالي-الصهيوني؛ فعلينا الاعتراف بأن البديل لا يمكن استيراده من القمر، بل هو موجود في قلب تلك القوى، متجسدا في المناضلين الذين لم تستهلكهم الهزيمة، سواء اكانوا قوميين او يساريين او اسلاميين.
وعلى هؤلاء تقع مهمة بناء ايديولوجية التوحيد القادرة على حشد القوى الوطنية الشعبية في اطار تحالف صلب وفعال، يكون هو البديل التاريخي القادر على الخروج من المأزق القومي الذي نعيشه باستسلام قد يقودنا الى الكارثة الكبرى القادمة، وهي تحطيم الوجود الفعلي، لا للمشروع القومي العربي حسب، بل وللامة العربية نفسها.
وايديولوجية التوحيد، ليست توليفا للايديولوجيات الاربع «المنتشرة» في الثقافة العربية المعاصرة، (اليسارية والقومية والاسلامية والليبرالية) بل هي نظام فكري توحيدي يستجيب للضرورات التي يطرحها الواقع العربي… وهذه الايديولوجية، المطلوب بناؤها وتطويرها، تقوم، في رأينا، بالحتم، على الثوابت الفكرية للتحالف الوطني -الشعبي الذي هو، الان، محض امكانية تاريخية.
نحاول، ابتداء أن نقترب من المعنى الاوليّ لهذا التركيب: وطني-شعبي، قبل ان نعالجه بوصفه مفهوماً اجترحه المفكر الايطالي انطونيو غرامشي، وطوّره، لاغراض بناء ايديولوجية جديدة للتحرر الوطني، المفكر المصري سمير امين.
لا تترادف الكلمتان في وطني -شعبي، بل تندمجان في تركيب يقول، للوهله الاولى، ان هناك وطنيتين، احداهما شعبية والاخرى نخبوية -بورجوازية؛ وان التركيب، هنا، يميّز الاولى عن الثانية. وهذا صحيح ابتداء، ولكنه لا يفيدنا كثيرا، فمنذ ان تحوّلت الرأسمالية الغربية الى امبريالية تهيمن على نظام رأسمالي عالمي يتشكل من مراكز إمبريالية واطراف تابعة، لم تعد الوطنية البورجوازية ممكنة، واضحى العداء للرأسمالية ركنا اساسا من اركان الوطنية. ان الموقف المؤيد للرأسمالية في الداخل، يقيم الاساس للتبعية للرأسمالية الإمبريالية، وبالتالي فهو، بالضرورة، موقف لا -وطني. اذا، يكفي ان نقول: (وطني) للاشارة الى موقف معاد للرأسمالية، فما هي ضرورة هذا التركيب: وطني-شعبي؟
نقول: وطني، هنا، بمعنيين هما:
أ-يشير الاول: الى كل العناصر المكوّنة للذات الوطنية، فـ (وطنيّ) هنا، تعني ضدّ ما هو فئوي، سواء أكان طائفيا او قطريا او اقليميا او ايديولوجيا (يساريا او اسلاميا او قوميا) او جهويا او ثقافيا (عصرانيا او سلفيا) الخ.
ب-ويشير الثاني الى مقومات السيادة والاستقلال، فـ (وطنيّ) هنا، تعني ضد ما هو أجنبي-استعماري -امبريالي-، واذاً رأسمالي.
ونقول: شعبيّ، هنا، بالمعاني الاتية:
أ-يشير الاول الى أرجحية حق السيادة للاغلبية ضدّ النخبة وامتيازاتها.
ب-ويشير الثاني الى أرجحية مصالح الاغلبية ضدّ مصالح البرجوازية.
ج -ويشير الثالث الى ارجحية الحقوق السياسيّة للأغلبية ضدّ الاستبداد البيرقراطي في كل صوره.
على هذا، فان الموقف الوطني -الشعبي يتحدد فيما يلي:
انه الموقف الذي يرفض: أ -الفئوية والتفتيت والتجزئة، ب –والتبعية للامبريالية، ج-وبالتالي الرأسمالية، د-والمصالح النخبوية؛ سواء أكانت ناجمة عن الموقع البيرقراطي أو عن الملكية الخاصة، هـ -والاستبداد.
ولكن هذا تحديد بالنفي، فما هي عناصر التحديد الايجابي للموقف الوطني الشعبي؟
يركز سمير امين على ان للتحالف الوطني-الشعبي هدفا محوريا، هو فك الارتباط بالخارج، وهذا لا يعنى، عنده، اتخاذ موقف انعزالي انطوائي، اي لا يعني الغاء العلاقات الخارجية، بل يعنى اخضاع العلاقات الخارجية للمصالح الوطنية.
وفك الارتباط، عند سمير امين، يرتبط بعمليتين هما:
أ -التنمية الوطنية المتمحورة حول الذات.
ب-الديمقراطية.
والعملية الأولى، تتضمن استنفار القدرات والامكانات الوطنية، وحشدها في مشروع تنموي وطني يعتمد على: أ – وقف هدر الموارد الوطنية، والإفادة منها، وتشغيلها الى الحد الاعلى (وخاصة في المجال الزراعي)، ب-تطوير وتوليف المعارف العلمية والتقانات الزراعية والصناعية والادارية، محليا، وبالعلاقة مع الاحتياجات المحلية، ج – التخطيط الوطني المرن القائم على تصور واقعي لانموذج خاص محلي يرتبط بالاحتياجات والامكانات المحلية، لا بقوالب جاهزة لاي نموذج اجنبي، د – الانفتاح الايجابي، اي اخضاع العلاقات الخارجية، وتوظيفها، بما فيه مصلحة التنمية الوطنية، وليس العكس.
والعملية الثانية تعني ديمقراطية سياسية واجتماعية جذرية ومشاركة شعبية فعلية في اتخاذ القرارات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتنفيذها، ونبذ الامتيازات (السياسية والاقتصادية)، وتحقيق المساواة الممكنة في توزيع المردود التنموي.
على طريق المجابهة والانتصار (2)أيديولوجية التوحيد!
Posted in Uncategorized.