العرب اليوم
ناهض حتّر
ما يزال الخوف يشلّ العالم العربي، مع أن “النصر” الاميركي في العراق سرعان ما انكشف زيفه عن مأزق حقيقي. فكل ما أنجزه الغزاة هو أنهم استخدموا قوة نيران كافية لإخماد مقاومة الجيش العراقي في جريمة سوف تتكشف ابعادها البشعة قريباً وفي “انقلاب قصر” معزول ادى الى انهيار نظام الرئيس صدام حسين وافتعال حالة من الفوضى المدبره. وبعد ذلك؟ لا شيء. فلم يستطع الغزاة أن يحققوا انجازاً سياسياً واحداً. لم يستقبلهم العراق العربي بالزهور، ولم يمنحهم شرعية الوجود العسكري او السياسي. لم تحدث حرب اهلية بل انفجر الإجماع الوطني على رفض الاحتلال واعوانه.
ماذا يريد الشعب العراقي؟ جلاء المحتلين فوراً… بينما يعاني المعارضون السابقون الآتون على الدبابات الأميركية الى بغداد عزلة كاملة. وبعد ثلاثة اسابيع من انهيار السلطة العراقية الشرعية، ما يزال العراق يعيش حالة من الفراغ القانوني والإداري، بينما يملأ الإسلام السياسي (السني -الشيعي الموحد) الفراغ السياسي، بحيث لم يعد ممكناً تجاوزه.
والغزاة الأميركيون، اليوم، مواجهون بخيارين: الاعتراف بإرادة وخيارات الشعب العراقي او مواجهه المقاومة المسلحة. وفي الحالتين فإنهم سيضطرون الى مغادرة العراق. لقد هزموا الرئيس صدام حسين… ولكن العراق هزمهم. والمشروع السياسي الأميركي في هذا البلد، ولد ميتاً. فقد اصبح من الواضح ان حكومة عراقية عميلة (تقبل بالترتيبات الأميركية النفطيه والعسكرية والسياسية والثقافية المعدة للعراق) لن يكون لها مستقبل.
فمم يخاف العرب إذن؟ ولماذا هذه التنازلات… والصمت… والتسليم؟! والتخلي عن العراق… والشعب العراقي؟!
الخوف ليس سياسية. وليس، على الأقل، مصدراً لسياسات حكيمة. واذا كنا-رهبةً وطلباً للسلامة-قد تخلينا عن العراق قبل الحرب واثناءها وبعدها… فلماذا-الآن-وقد دخل الغزاة الاميركيون في أزمة سياسية؟
اذ القوة الإقليمية الوحيدة التي التقطت طرف الخيط -ويا للأسف -هي قوة غير عربية. انها ايران -المدركة بعمق ان طرفي الحرب (النظام العراقي وواشنطن وعملاءها) قد خسراها، وتستعد في لجني ثمارها! واذا كانت سورية هي البلد العربي الاكثر تأهيلاً للتأثير في التطورات العراقة، قد شلها الخوف… فإن العرب الآخرين دائخون من “الصدمة” أو أنهم لا يملكون الوسائل.
غير أن الوسائل متاحة اذا ما تحرر العرب من الخوف قليلاً وتجرأوا على ممارسة السياسة:
أولاً-هناك الاعتراض الذي يمكن تسجيله بقوة ومثابرة وعلنية، على استمرار هذا الفراغ القانوني وحالة الفوضى في العراق.
ثانياً-وهناك الاعتراض على الاعتقالات السياسية غير القانونية التي يقوم بها الغزاة في العراق. ومنها اعتقال المسؤولين في الحكومة العراقية. فلا يوجد اي اساس قانوني لهذه الاعتقالات. ويمكن-بل ويجب-التنديد بها… والتنديد بكل اعتداء على القوى الشعبية العراقية .
ثالثاً-وهناك الاعتراض على الاجراءات غير القانونية التي يقوم بها الغزاة من منح عقود اعادة الاعمار… إلى مصادرة الموجودات المالية العراقية… إلى محاولات ضخ النفط… الخ
رابعاً -وهناك الاعتراض على العجز والبطء والتراخي في إصلاح وتشغيل المرافق المدنية.
هذه العناصر -وسواها-تصلح أساساً لحملة سياسية-إعلامية يمكن القيام بها للتأثير في مسار الأحداث في العراق. فالوجود الأميركي في العراق غير قانوني ومأزوم سياسياً.
وصيغة “التحرير” الاميركية لا يمكن تكييفها قانونياً او سياسياً… فإما أن تنشأ سلطة احتلال مسؤولة بحيث تصبح المقاومة هي الشرعية العراقية المقابلة -او ينسحب المحتلون… لحساب قوة دولية… ولمَ لا تكون عربية؟ ولمَ لا يتم البحث في هذا مع القيادات السياسية الفعلية على الأرض في العراق؟ قوات عربية لحفظ الامن وتشغيل المرافق والإشراف على انتخابات حرة لجمعية تأسيسية عراقية؟!
هكذا مبادرة سيصدها الأميركيون بالطبع… ولكنها ستحرجهم… وقد يجدون فيها، في وقت لاحق، “ملاذا”!!
***
أقول: العرب! وقد اصبح ذلك -بالنسبة للكثيرين -مضحكاً. ولكنني ألحّ على مداخلة عربية -رسمية وشعبية-في التطورات العراقية، ليس فقط لأن الشعب العراقي الشقيق يحتاج الى هذه المداخلة -سياسياً وعملياً-ولكن، ايضاً لئلا يقع العراق… فريسة التمدد الايراني.
***
وايران موجودة -فعلياً -في السياسة العراقية… ليس عبر الشيعة العراقيين-كلا. ولكن، اولاً، لأنها لم تغلق حدودها مع العراق! وثانياً لأن لها أداة سياسية على الأرض هي جماعة “المجلس الأعلى للثورة الإسلامية” الضعيف تقليدياً بين شيعة العراق ولكن القوي بالدعم اللوجستي والسياسي والامني والمالي الإيراني. وثالثا لأن إيران تدرك، بوضوح، الأزمة الأميركية في العراق. وهي تدخل الى تلافيف هذه الأزمة بقوة… ومن غير خوف كالذي اعتراها قبل الحرب وأثناءها. عندها كانت تدرك قوة الأميركيين او أنها ارادت أن يقوم الثور الأميركي بتحطيم عدوها -نظام الرئيس صدام حسين-وفي ذلك الوقت كان “المجلس الأعلى للثورة الإسلامية” ينسق مع الأميركيين… ولكنه الآن لم يعد يتعاطى مع ترتيبات أميركية اتضح انها كرتونية. ورابعاً، لأن إيران تملك أداة إعلامية عربية فعالة هي تلفزيون المنار اللبناني الذي يخصص ثلاثة ارباع بثه للهجوم السياسي على نظام الرئيس صدام حسين -وكل ما يمثله من اتجاهات عروبية -وللترويج السياسي لجماعة “المجلس الاعلى…” الايرانية.
يحتاج الشأن العراقي اليوم، وأكثر من اي وقت مضى، إلى مراجعة عربية رسمية وشعبية… والى مبادرات ومداخلات، والنسبة لنا في الأردن لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي إزاء التطورات في بلد هو شريكنا الاقتصادى رقم (1) وعمقنا الأمني الاستراتيجي الأساسي! كما لا نستطيع أن نركن الى الاميركيين… فهؤلاء سيحملون فشلهم ويرحلون. … وإذا ما اصبح عراقنا العظيم في النهاية محميه فارسية… فهل سينفعنا الندم؟!