منطقة خطر
ناهض حتّر
عمري ٣٤ عاما الّا بضعة أشهر. ومع ذلك أشعر انني أنجزت حياتي، ولا يوجد، بعد، سوى التكرار. بل إن هذا ما أشعر به منذ ١٤ عاماً على الأقل. فنحو عام الثمانين وما قبل، حدثت كل الأشياء التي أحبها وما أزال أحبها: ثورة اكتوبر والثورات الأخرى الكبرى في الصين وكوبا ومصر ونيكاراغوا وأصبح بعضها في ذمة التاريخ مع كل الاشياء التي ما زالت تشكل وجداني: فلسطين وعبد الناصر وعبد الحليم حافظ ونجيب محفوظ وفيروز وام كلثوم وحركات التحرر الوطني والانتصارات والاناشيد والرجال العظام والجبنة البيضاء المحوّجة بحبّة البركة والخيار الفوّاح الرائحة ومتعة الصداقة، والألفة العائلية وسميرة توفيق وعبده موسى والشيوعية والأنفة الأردنية والثورة الفلسطينية وغالب هلسا… وغير ذلك كثير من الأشخاص الذين ولدوا أو ظهروا قبل أن أولد أو قبل أن أشب… ومن الأشياء التي حدثت ولم أكن شاهداً عليها!
منذ أربعة عشر عاماً وأنا أبكي… الأطلال. ولا شيء يحدث جديداً سوى استمرار انهيار عالم وعيت في اواخره، وصرت جزءاً منه حينما بدأ يتلاشى!
أترنم، حينما أترنم، بأغانٍ اصحابها ماتوا أو مضوا منذ زمان، وأقرأ أشعار الموتى، وأحبّ الزعماء الموتى، وأستمتع بأحلام يقظة لا أراني فيها معانقاً شارون ستون الفاتنة، بل هاتفاً لعبد الناصر وهو يعلن تأميم القنال أو مقاتلاً في الجزائر أو مرافقا لغالب هلسا في جولة روائية في قاهرة الخمسينات او ساهراً حتى الصباح في احتفالات دمشق بالوحدة او متنفساً عبير الرابع عشر من تموز في بغداد!
أحب الاكل القديم، والملابس القديمة، والكتب القديمة، ولا يربطني بهذا الزمن سوى السعي للقمة العيش… والسعي لزمن اخر يستعيد الزمن من انفلاشه الراهن!
لست ديناصوراً صغيراً!
أنا أعرف أنها مرحلة سوداء في تاريخنا، وليلة ظلماء لها آخر… وسيأتي الفجر حتما!! إنها حقيقة أعمل في هديها وأعمل لها… ولكنها لا تنفي حقيقة أرى جاثمة على الصدر كالصخرة، حيث أنني أفني زهرة شبابي في البكاء على الأطلال!