منطقة خطر
معتز السلطي
كنت اقلّ زوجتي وولديّ، ظهيرة تلك الجمعة، وكنت آمل بالشمس والضحكات والغداء العائلي في مطعم ما، بعد عناء اسبوع شاق، حينما اوقفني شرطيّ سير، وعندما اكتشفت انني لا احمل رخصة القيادة الخاصة بي، املتُ ان يفهم الشرطي ذلك، فيثق بأنني مرخص للقيادة، وان رجلا يقل عائلته لا يلهو مع قوانين السير… او، على الاقل، املتُ ان يسمح ذلك الشرطي الغيور لانتقال زوجتي الى مقعد القيادة فهي تحمل رخصتها… أو، في أسوأ الاحوال، ان يحجز رخصة السيارة لوقت قصير يمكنني من ايصال عائلتي الى البيت، والعودة اليه، برخصة القيادة… او ان يقترح ايّ حلّ واقعي… سوى انه رفض الا ان اوقف سيارة اجرة لكي تذهب عائلتي للبيت، واذهب، انا والسيارة، معه الى الحجز! اقترحت عليه ان يصعد الى السيارة، فنوصل العائلة الى البيت، واريه رخصة القيادة… او نواصل الى الحجز، فرفض… وباختصار، رفض كل الحلول الوسط.
عندها ادركت انه حاقد، وانه اوقفني عن عمد لكي يكدرني فيرتاح! أخذ رخصة السيارة ورفض ان يعطيني وصلا، وحتى اسمه المعلق على صدره اخفاه في جيبه… وعندما يئست وتحركت بالسيارة، ارتمى، على مقدمتها، وكان الغضب قد تملكني، ولولا رجوات زوجتي لانطلقت وليكن ما يكون!
قبل، اخيرا، ان يصعد الى السيارة للبحث عن ضابط المنطقة، فقبلت عسى ان يحلها الضابط… وحينما وصلنا الى حيث الاخير لم يكن… فاقترح الشرطي ان «نكسدر» حتى نجد الضابط فجن جنوني، خاصة وانه تواقح وأساء واستهزأ، لا ينزل من السيارة ولا يتفاهم، ولا يأخذ، ولا يعطي، تنح… وكان الوقت يمضي، ويوم الاجازة يتبدد، ولم نحل المشكلة الا بعد اربع ساعات كاملة، وبعد تدخل وساطات الغير.
كنت قد قررت ان اشكو هذا الشرطي، وان اتابع القضية، حتى ينال عقابه الرادع، ولكنني فكرت ان هذا الرجل هو، في النهاية، كادح ومسحوق، ويرى رجلا ينزه عائلته وهو محروم، وخاصة ان المنطقة التي اشتبكنا فيها، وهي مكان نوبته، تستفز الكادحين!
إنه، اذاً يمارس «الصراع الطبقي» ضدي. هذا الفتى مخطئ مرتين، مرة في شكل ممارسته ذلك الصراع، ومرة في العنوان… طالما انني لم اغادر، ابدا، خندقه، خندق الكادحين، لو يدري!
انها مفارقة حقا:
شباب كادحون مسحوقون، ويمتلكون «السلطة» في الشوارع، ويمارسون الصراع الطبقي معكوسا، وفي أسوأ أشكاله.
ولكنها مفارقة لا تذهب، حسب، بتفاصيل حقوق الانسان في الشارع، وانما تشير الى ما هو اخطر من ذلك بكثير.