منطقة خطر
ناهض حتّر
وزارة المالية تخاطب الفقراء قائلةً إن “ضريبة المبيعات” شأن لا يعنيكم! اننا نفرضها على الأغنياء! فما هي مصلحتكم في معارضتها؟ وهذا صحيح! فضريبة المبيعات، في حدودها المباشرة، تستهدف، أولاً الجناح الصناعي من البورجوازية الكمبردورية، وثانياً بعض الفئات التجارية منها، وثالثاً ترشيد الاستهلاك الترفي للطبقات المنعّمة. ومن هنا حمأة الصراع حول هذه الضريبة التي لو كانت تستهدف الفقراء مباشرةً لما اهتمت الحكومة بأمر معارضيها؛ فليس للفقراء نصير يخشى منه. ومن هنا، تتذاكى وزارة المالية، وتستنصر الفقراء في خصامها مع أصدقائها وحلفائها الدائمين من البرجوازيين المتضررين.
انه، إذاً، صراع بين الأجنحة البورجوازية المسيطرة، وسيحل بالتراضي بينها؛ وسيوافق البرلمان وغرفتا الصناعة والتجارة على قانون ضريبة المبيعات، بعد اجراء بعض التعديلات المناسبة عليه. وستخرج الحكومة من «المعركة» راضية، وستستفيد أجنحة البورجوازية كلها من الضجّة، باتخاذها ذريعةً لتحقيق مزيد من الأرباح عن طريق رفع أسعار السلع والخدمات التي لا تشملها ضريبة المبيعات، كما ستقلّص الأجور، وتطرد قسماً من العمّال، وتستغل القسم الآخر منهم استغلالاً أبشع، مسوغةً اجراءاتها هذه بالإحالة إلى «ضريبة المبيعات»!
خصما اليوم، سيستفيدان غداً. وسيدفع الفقراء الثمن! فهل ننتخي للكمبرادور الصناعي-التجاري، فنقف ضد فرض ضريبة المبيعات، أم نتعاطف مع الكمبرادور البيروقراطي، فنتجاوب مع نداءات وزارة المالية؟! أم نقول: «فخار يكسّر بعضه» بالرغم من انه في النهاية لا ينكسر إلّا فوق رؤوسنا؟!
ضريبة المبيعات هي جزء من كلّ، هو “برنامج التصحيح الاقتصادي” وهو برنامج يستهدف، اقتصادياً، الغاء العجز في الموازنة العامة للدولة، أي تحقيق مصادر داخلية لتمويل :١-خدمة الديون الخارجية ٢-والانفاق السياسي الداخلي ٣-وأرباح البورجوازية؛ أي بكلمة أخرى، تكليف الكادحين الأردنيين بتحمل الأعباء المالية التي كانت تغطى معظمها، من قبل، بالمساعدات والمنح العربية والغربية. ولتحقيق هذا الهدف هناك آليات عديدة، ولكنها ترتكز إلى آليتين أساسيتين هما: (١) الغاء الدعم الحكومي لأسعار السلع والخدمات الشعبية-بما فيها التعليم والصحة -ويشمل ذلك، بطبيعة الحال، إنهاء كل أشكال القيود على الأسعار غير المدعومة؛ و (٢) الغاء كل أشكال الحماية الحكومية التي كانت ممنوحة للصناعي والتاجر والمقاول الأردني ضد السلع والخدمات المستوردة. والآلية الأولى تحقق خفض النفقات العامة، والثانية تحقق المزيد من الايرادات، و”ضريبة المبيعات” تقع ضمن الآلية الثانية، لأنها ستحقق لخزينة الدولة زيادة في ايرادات ضريبة الدخل التي تضبط ضريبة المبيعات، حجمها، وتمنع التهرب منها!
أما على المستوى السياسي، فمن الواضح أن هدف برنامج التصحيح الاقتصادي هو تمهيد الأرض أمام تطبيع فعّال مع العدو الصهيوني؛ فإلغاء كل أشكال الحماية والقيود على السوق الأردنية، سيجعلها مفتوحة، بصورة طبيعية، أمام علاقات اقتصادية اعتيادية مع «إسرائيل» يكون فيها للأخيرة ميزات هيمنية؛ وذلك لأن السلع والخدمات “الإسرائيلية” مدعومة من الدولة ومحمية، كما هي مدعومة بمساعدات وعقود وبقدرات تمويلية أميركية ضخمة.
“العملية السلمية” و”عملية التصحيح الاقتصادي”، إذاً، وجهان لعملية واحدة تستهدف إلحاق الأردن “بإسرائيل”. ولا نعرف لماذا لم يحاول الأردن الرسمي أن يساوم الإمبريالية بحيث يقبل بإحدى العمليتين لقاء خلاصه من الأخرى. فيقبل بالدخول في “العملية السلمية” لقاء إنهاء برنامج التصحيح والمديونية. وبذلك يؤمن تأييداً داخلياً أقوى، وموقفاً تفاوضياً أفضل.
أما بالنسبة للكادحين الأردنيين، فإن مصالحهم الراهنة والبعيدة المدى، تتطلب رفض كلا العمليتين؛ والسعي إلى تحميل الطبقات التي «صنعت» المديونية واستفادت منها، مسؤولية ما اقترفت يداها.