ناهض حتّر
غياب رئيس أكبر دولة عربية عن قمة بيروت لا يمكن تبريره. فهذه ضربة موجعة لمهمتين قوميتين تنجزهما القمة بمجرد انعقادها السلس، وبغض النظر عن نتائجها السياسية؛ وهما: (١) تكريس مؤسسة القمة العربية على أساس آلية الانعقاد الدوري السنوي الملزم؛ (٢) تكريس الاعتراف العربي بالإنجاز اللبناني في تحقيق السلم الأهلي وإعادة البناء والتحرير. وكذلك دعم لبنان في مواجهة العدوان الاسرائيلي المحتمل.
ومن المفهوم أن السياسة المصرية لم تمش في هذه القمة، غير ان بناء التقاليد، هو، دائماً، أهم من “السياسات” التي تأتي وتذهب، وتبقى التقاليد والمؤسسات.
ولعل القاهرة كانت تريد أن يتحقق السيناريو التالي: (١) ان يتوصل المبعوث الأميركي انطوني زيني إلى حل أمني سريع يوقف “العنف المتبادل”. (٢) أن يقابل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني على أرض مصر، وبوساطتها وتحت مظلتها. (٣) أن يحضر الرئيس عرفات، قمة بيروت، متفاهماً مع تل أبيب وواشنطن، فتستطيع القاهرة، إذاً، استخدامه لكي تبقى “المبادرة السعودية” في حدود العموميات، ما يعني تلاشيها بعد القمة، أو استخدامها كإطار فضفاض ربما لتقديم المزيد من التنازلات لإسرائيل، تحت مظلة الشرعية العربية.
وقد سقط هذا السيناريو لأن الرئيس عرفات لم يرضخ، بينما تل أبيب الشارونية لم تتجاوب، والأميركيون لم يمارسوا ضغوطاً كافية عليها. وقد ذهبت القمة، بذلك، إلى التشدد في ظل توافق سوري -سعودي على إعطاء مبادرة الأمير عبد الله بن عبد العزيز، مضامين محددة، ربما تعرقل التحركات المصرية اللاحقة في التوصل إلى تفاهم فلسطيني-إسرائيلي، يتيح للأميركيين، الانفراد بالعراق وضربه. وقد زاد الطين بلاً أن الأمين العام لجامعة الدول العربية، عمرو موسى، مارس استقلالاً جريئاً وعلنياً عن “توجيهات” الخارجية المصرية.
غياب “الأكبر” لا يترك، دائماً، فراغاً مساوياً. وحجم مصر العربي ليس في عديد سكانها أو في تاريخها وإنجازاتها فقط، وإنما في حجم دورها القومي. وربما ان الوقت لم يفت بعد لكي ترى القاهرة، صورة اللعبة السياسية الجديدة في “الشرق الأوسط”. لقد سقط الاحتلال الاسرائيلي سياسياً، ولم تعد المساومات القديمة (من كامب ديفيد إلى “أوسلو” إلى وادي عربة) معه، تملك أي أفق… سوى أفق الضياع.
غياب “الأكبر”… تحجيمٌ له… وغياب لنهج سياسي مات.