ناهض حتّر
لم تتمكن عائلات الأسرى الأردنيين لدى إسرائيل– ويا للأسف– من تحقيق فرحة ممكنة ونادرة باستقبال أبنائها، محررين، في عيد الأضحى المبارك. وذلك، بينما أضاء الأسرى الآخرون ليالي بيوت مكروبة في لبنان وسورية والمغرب والسودان وليبيا… وفلسطين. ولماذا حدث هذا الاستثناء الموجع للعائلات الأردنية؟
الجواب لدى وزير الخارجية د. مروان المعشر.
لقد نقل الأسير اللبناني المحرر أنور ياسين عن زملائه الأردنيين في سجون العدوّ. ان هؤلاء يحمّلون الحكومة الأردنية، المسؤولية الكاملة عن عدم شمولهم في صفقة تبادل الأسرى التي نظمها حزب الله مع تل أبيب. وقد أرسل أبناؤنا مع زميلهم رسالة (تلفزيون المستقبل 31/1/2004) مفادها أنهم سوف يبدؤون إضراباً مفتوحاً عن الطعام، إذا لم يتم إطلاقهم في العيد. وسيكون هذا الإضراب موجهاً… إلى الحكومة الأردنية.
ونحن نضم صوتنا إلى صوت أسرنا… ونطالب– معهم– حكومتنا بالضغط للإفراج عنهم حالاً… أو التخلي عن التدخل في ملفهم، وتركه للقسم الثاني من صفقة التبادل بين حزب الله وإسرائيل، والمنتظر إنجازه في غضون أسابيع.
ولا شيء يمنع عمان من قطع الاتصالات مع تل أبيب بشأن الأسرى الأردنيين لديها، وتكليف حزب الله، رسمياً، بهذه المهمة. وسيكون هذا تصعيداً في محلّه ضد “شريك السلام” الإسرائيلي.
ونحن لا يغامرنا الشك في أن وزارة الخارجية الأردنية، قد عملت بالفعل على إطلاق سراح الأسرى الأردنيين لدى إسرائيل، سيما وأنه قد أحرجها أن يقوم حزب الله بذلك. إلّا أن الاختراق الذي حصل في المفاوضات بين هذا الحزب والجانب الإسرائيلي، قد أوقعها في حرج أكبر. وبات علينا أن نسدد هذه الفاتورة المرتفعة من هيبة البلد، جراء “الثقة” بالإسرائيليين.
وقد حاول د. المعشر، من دون جدوى، تبرير الفشل الأردني الرسمي أمام النجاح المدوّي لحزب الله، في التعامل مع ملف الأسرى. وزادت إيضاحاته لقناة العربية (31/1/2004) الطين بلاً. فالأربعة الأهم من بين الأسرى الأردنيين الذين تتمسك إسرائيل بهم، حسب د. المعشر، معتقلون قبل إبرام معاهدة “السلام” الأردنية–الإسرائيلية العام 1994. وهذا تأكيد رسمي جديد على حجم التنازلات التي قدمتها عمان للإسرائيليين. فهي وقعت معهم معاهدة سلام، بينما أسراها في السجون الإسرائيلية. بل إن ملف هؤلاء الأربعة، لم يتحرك إلّا عندما بدأ حزب الله، التفاوض لإطلاق سراحهم!
والأنكى من ذلك أن الدكتور المعشر يتحدث عن هؤلاء الأبطال، وكأنهم مجرمون! مشدداً في كل لحظة على قدسية المعاهدة مع إسرائيل… مصراً– على الرغم من كل شيء– على أنها “حمت الأردن”! حمته من ماذا؟ إذا كان خطر الوطن البديل– مثلما يقول د. المعشر بلسانه– قد أصبح ماثلاً؟!
تنص المعاهدة الأردنية–الإسرائيلية، حرفياً، عن امتناع الجانبين عن القيام مما من شأنه إحداث تهجير جماعي قسري بالاتجاهين. وإذا كان هذا التفاهم يعني، ضمناً، القبول بتوطين اللاجئين والنازحين في الأردن، فإنه يمنع إسرائيل من القيام بتهجير مواطني الضفة الغربية باتجاه الأردن. غير أن تل أبيب تنفذ، بالفعل، برنامجاً يهدف إلى استنزاف الفلسطينيين، ودفعهم– بالحصار والتقتيل والتجويع– إلى مغادرة وطنهم. وعند هذه النقطة يمكننا أن نفعل أكثر من تقديم مرافعة ضد الجدار العازل لدى محكمة العدل الدولية. فعلى أهمية هذه الخطوة، لا بد من مواجهة إسرائيل – وليس المعارضة الأردنية – “بالمعاهدة”، والطلب إلى الإسرائيليين، الالتزام بما وقعوا عليه. وبغير ذلك، تكون “المعاهدة”– وهي كذلك– حبراً على ورق، من وجهة نظر الإسرائيليين؛ وقيداً– ينبغي كسره– من وجهة نظر الأردنيين. فهل تصر الحكومة الأردنية أن تكون على “الحياد”؟! وهل تستمر في دفن رأسها في الرمال المتحركة؟!
لا تؤجلوا الاستحقاقات القائمة مع الإسرائيليين، ولا تثقوا بهم!! وانتبهوا– الآن– إلى الألغام الجديدة القادمة– عسى أن يكون لغم الأسرى هو الأخير الذي ينفجر تحت أقدامنا “الواثقة” على أرض الأوهام!