التفاهم الداخلي ضرورة لمواجهة التطورات الإقليمية.
ناهض حتّر
أنهى الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش، أخيراً، الجدل الدائر حول اتجاهات إدارته إزاء الخطوة التالية بعد الحرب على أفغانستان. فالقرار الأميركي هو الشروع في عملية عدوانية ضد العراق. وسنلاحظ للتو ما يلي:
(1) إن العملية العدوانية الأميركية ضد العراق لا تندرج في إطار عمليات “التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب”، بل تنطلق بالعودة إلى مسألة التفتيش الدولي على تصفية أسلحة الدمار الشامل العراقية. وهذه قصة أخرى لا يوجد حولها إجماع دولي. وهذا يعني أن واشنطن قررت العمل منفردة، ضاربة عرض الحائط بمواقف حلفائها، وخصوصاً روسيا وفرنسا-وإلى حد ما، بريطانيا.
(2) إن القرار الأميركي بالعدوان على العراق، يتجاهل الموقف العربي الجماعي، بل وإرادة ومصالح حلفاء واشنطن العرب.
(3) إن دعوة الرئيس الأميركي العراقيين إلى الاختيار بين عودة المفتشين الدوليين وبين الحرب، هي دعوة إلى الاستسلام غير المشروط. فالعراق الذي نفذ، على كل حال، القرارات الدولية بشأن أسلحته، يربط، محقاً، بين قبوله بنظام تفتيش دائم على قدراته التسليحية وبين رفع الحصار المفروض عليه منذ 1990. وقبوله، الآن، بأيّ تفتيش دولي يعني، تحديداً، قبوله باستمرار الحصار إلى ما لا نهاية. ويحظى هذا الموقف العراقي بتأييد حازم من أطراف دولية وعربية، ما جعل الاقتراح البريطاني “للعقوبات الذكية” يفشل دولياً وعربياً.
(4) يكرس التهديد الأميركي للعراق، “ازدواجية المعايير” في السياسة الأميركية إزاء الشرق الأوسط، حيث تتم مداراة العدوان الإسرائيلي المستمر ضد الشعب الفلسطيني، ويتم، في الوقت نفسه، التلويح بالحرب ضد العراق… لحل مسألة غير ساخنة وغير عاجلة كالتفتيش على “النوايا” العراقية.
(5) ويتجاهل التهديد الأميركي للعراق، مشاعر الجماهير العربية تجاهلاً كاملاً واستفزازياً ووقحاً، من شأنه أن يعمق، أكثر فأكثر، مشاعر الكراهية العربية نحو الولايات المتحدة الأميركية، ويصب الزيت على نار التطرف والحركات العنفية؛
(6) ويتعارض التهديد الأميركي للعراق مع مصالح الأنظمة العربية الصديقة وهيبتها. وسوف يضطرها إلى مجابهات ساخنة مع جماهيرها.
(7) وفي ظل التصعيد الأميركي ضد العراق، لن تكون السلطة الوطنية الفلسطينية قادرة على “ضبط” الساحة الفلسطينية أو تبرير اتجاهها لاستيعاب العدوانية الإسرائيلية مع الشروع، مرة أخرى، في مفاوضات سلام مع الإسرائيليين.
وباختصار، فإن العملية العدوانية الأميركية التي أطلقتها، بالفعل، تهديدات الرئيس بوش، تتولد في سياق استعماري مكشوف يضرب عرض الحائط بالشرعية الدولية وبالأقطاب الدولية وبأنظمة وشعوب العالم العربي، ما يجعلنا ندرك -آسفين-أن الولايات المتحدة الأميركية لم تتعلم أي درس من أحداث 11 أيلول 2001، بل انها، على العكس، تواصل، بصورة أكثر حدة، سياسات الغطرسة على طريقة الإمبراطورية الرومانية الغابرة.
***
ومع ذلك، فالعدوان الأميركي القادم على العراق ليس قدراً لا يرد. ففي الموقف الأميركي من نقاط الضعف السياسي والمعنوي والأخلاقي، ومن العزلة على النطاق الدولي، ما يجعل بالإمكان، تدارك التصعيد واحتواءه. وربما كان في انعقاد قمة عربية عاجلة حول “البند العراقي” دون غيره، وتنتهي إلى إعلان صريح بدعم غير مشروط للعراق، ما يشكل ضغطاً قوياً على الإدارة الأميركية بحيث تراجع حساباتها. وأحسب أن الأمر يستأهل.
إننا نملك قناعة راسخة مؤسسة على المعطيات والتجربة، بأن مآل العدوان الأميركي الجديد على العراق سيكون الفشل الذريع، إلا أنه يظل من واجبنا أن نحاول، بكل ما نملك من طاقة، أن نجنب الشعب العراقي مأساة جديدة.
إن الأردن هو المتضرر رقم (2) من أي تصعيد ضد العراق. وهو ما يلقي عليه مسؤولية إضافية في تفعيل المساعي للجم العدوانية الأميركية. وأنا أفكر، هنا، في ثلاثة اتجاهات:
الأول-الإعلان الرسمي عن الموقف الأردني المتضامن مع العراق، بصورة واضحة وحازمة، ما يؤسس لحوار من نوع جديد مع الإدارة الأميركية، تتحسس هذه من خلاله، جدياً، الاعتراض الأردني ضد أي تصعيد على الجبهة العراقية؛ والسعي، في الوقت نفسه، إلى محاولة فتح قناة حوار-ولو سرية-بين واشنطن وبغداد؛
والثاني-إطلاق مبادرة على المستوى العربي؛
والثالث-إدراك ضرورة التفاهم الداخلي إزاء التطورات؛ وخصوصاً لجهة إطلاق حرية التعبير المدني عن التضامن مع العراق. وسوف يخدم ذلك على مستويين: فرسالة الشعب الأردني العراقية، سوف تدعم الموقف الرسمي، وإطلاقها سوف يشكل الإطار الملائم لتلافي الآثار الداخلية لاشتعال النار على المستوى الإقليمي.