ناهض حتّر
– هل تجدر المطالبة بإلغاء أو تجميد المعاهدة الأردنية-الإسرائيلية للعام 1994؟
ثمة من يحذر من هكذا اجراء لأنه قد يخدم أغراض المجرم المنفلت من كل عقال، آرئيل شارون. ربما! ولا بد، دائماً، من دراسة كل مطالبة سياسية بدقة متناهية، بحيث تكون تعبيراً عن الضرورة لا عن المشاعر. غير أن الاعتقاد بأن “المعاهدة” تشكل “حصانة” للأردن في مواجهة المخططات الشارونية، هو، في الحقيقة، اعتقاد ساذج. وقد يكفينا، للبرهنة على ذلك، القول: انظروا كيف تدوس الدبابات الإسرائيلية اتفاقيات “أوسلو” في شوارع الضفة الغربية!
***
ليس لدى إسرائيل أجندة سياسية، بل أجندة استراتيجية-عقائدية مصممة. ولذلك أخفق العرب في إنجاز أي تسوية معها من شأنها أن تتعارض مع أهداف تلك الاستراتيجية. وسنلاحظ، هنا، أن الإسرائيليين واصلو –وكثفوا-منذ اتفاقات أوسلو العام 1993، بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية، وأبطأوا الخطوات المتفق عليها، واختلقوا ما لا يحصى من العثرات أمام تطبيق التفاهمات، واعتبروا المواعيد “غير مقدسة” الخ ما يجعلنا نستنتج أن الاجماع الإسرائيلي الضمني كان ينتظر توفر ظروف ملائمة للتراجع عن “أوسلو”، بعد امتصاص دمائها، والاستفادة منها إلى الحد الأقصى.
***
فما هي الاستراتيجية الإسرائيلية؟
إذا حذفنا التطرفات (من اليسار واليمين) فسنجد أن إسرائيل مجمعة استراتيجياً على ما يلي: (1) السيطرة المباشرة على أراضي فلسطين التاريخية (2) اعتبار الأردن هو ذلك “القسم من اسرائيل” الذي انتزعته بريطانيا من وعد بلفور، وأعطته للعرب، الأردنيين والفلسطينيين معاً.
وإذا كان اليمين الإسرائيلي يعبر عن هذا الإجماع صراحة، فإن اليسار الإسرائيلي المراوغ لا يخرج، سياسياً، عنه من خلال الرفض الحازم لحق العودة، أو الانسحاب إلى حدود 4 حزيران 67، أو إقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس، والإسرائيلي الذي لا يقبل هذا البرنامج بتمامه، ويعمل على تطبيقه من دون تأخير، ويقول، في الوقت نفسه، أنه ضد الأجندة الصهيونية الاستراتيجية ومع السلام، هو مجرد كذاب ومراوغ على مثال شمعون بيريز.
***
لقد أفاد الإسرائيليون، ويفيدون، من معاهدة “وادي عربة”. ولكن، وحالما تتكون ظروف ومعطيات لتمزيقها فلن يترددوا لحظة واحدة. وهم يفعلون ذلك بالفعل الآن. فالعمليات العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية هي تهديد استراتيجي مباشر للأمن الوطني الأردني. وتمزيق “أوسلو”-وهي التي كانت مقدمة “وادي عربة” ومبررها-يعد تنصلاً من الالتزامات حيال الأردن، وخصوصاً لجهة “الامتناع عن القيام بأعمال من شأنها إحداث هجرة جماعية قسرية” وكذلك “استعمال القوة” و”المشاركة في صيانة الأمن الإقليمي” وكل تلك “التفاهمات” التي حفلت بها “المعاهدة”، وكانت تعبر عن هواجس السياسة الأردنية، وسعيها إلى نصوص مطمئنة!!
***
اقدامنا على الغاء أو تجميد “المعاهدة”، الآن، أو الإبقاء عليها رسمياً، هو نقاش ثانوي. فالجوهري هو أن نرى أن “المعاهدة” لم تعد موجودة فعلياً. لقد سقطت. انتهت. أصبحت شيئاً من الماضي… مثلما هو حال المسيرة السلمية برمتها منذ مدريد. والمنطقة كلها، تتجه إلى إطار سياسي جديد، لم يتحدد بعد، ولكن عناصره موجودة وفاعلة. فلنخرج من الماضي.
***
حصانة الأردن ضد الأخطار المحدقة لا تؤمنها “المعاهدة” الميتة، ولا “الصداقة” مع حلفاء شارون في واشنطن.. بل هي تكمن في الداخل.. في إرادة الدفاع المستندة إلى جبهة وطنية صلبة، وإطلاق حرية الحركة للسياسية الخارجية والداخلية-في إطار وطني-ديمقراطي متناغم.
حصانة الأردن… في قلوب وسواعد أبنائه الأحرار.