ناهض حتّر
الادباء والشعراء الاردنيون الذين استطاعوا ان يقدموا شيئا مختلفا ولافتا الى الادب العربي بعد “عرار” هم اولئك الذين قدموا انفسهم كاردنيين وعالجوا، من وجهات نظر متعددة قضية الاردن وخصوصيته الاجتماعية -الثقافية اي هم اولئك الذين تمثلوا الروح العرارية في عذابها التراجيدي على الختوم الخصبة للصراع بين صورة البلد وواقعه، هذا البلد “المنبوذ” الذي يشكل القوميون الزائفون باصالته الكيانية.
وعندي ان الاديب الاردني الكبير غالب هلسا، لم يترك توقيعه على ازهى صفحات الادب العربي-وربما العالمي-الا بوساطة روايته الفذة: “سلطانة” … التي لا تشكل استمراراً او تجاوزاً ادبياً لـ”عرار” ففي “سلطانة” وفي سياق تحتشد فيه الامكنة والازمنة والشخصيات الاردنية بكل حضورها الحيف ورؤاها وقيمها، ينهض معماى الرواية على ذلك الصراع التراجيدي الذي يعيشه بطلها بين صورتين للاردن.
اولاهما بطولية مستمدة من اعماق البلد وجذوة قلبه وتمثلها امرأة هي “امنة” الام الثانية الرمزية-للبطل الروائي. ومعها تلتقي بالانثى المطلقة التي تتجسد فيها القيم الجماعية للشعب من خلال نظرة جمالية صافية الى العالم. وثانيها واقعية مستمدة مما صار اليه الاردن الحديث الكولنيالي وتمثلها ايضا امرأة هي “سلطانة” فيها ولا ريب شيء من امنة: الا انها تشكل الانموذج المضاد المتكون من النزعتين الميركنتيلية والبراجماتية. وما تتطلبانه من عبودية الجسد والنفس. ضد حريتها الشفافة عند “امنة” ويظل قارئ هلسا مشدودا، طوال الوقت، على حبل التضاد بين رؤيتين للعالم تتصارعان في جسدانية ادبية تسعى بإلحاح لاستلهام المحلي بكل جوارحه.
لقد تابع هلسا رائدة “عرار” في لالحاح على ادبية التراجيديا الاردنية على الضد من النزعات القوموية العدمية الى تصوير الاردن كملهاة تفتقر الى الاصالة!