بين الصحافة… والسياسة 2-2 التواطؤ على الحرية والمهنية

العرب اليوم
ناهض حتّر
لم أقصد التوقف عند «الأسبوعيات» إلا لكي ألاحظ أن الصحافة اليومية لم تبذل الجهود اللازمة لتطوير المهنة واستحقاقاتها.
– فمن بين كل الأدوات المهنية لم تطور الصحافة اليومية، سوى أداة واحدة، هي «التعليق الصحافي» الذي استقطب العديد من الصحافيين والمثقفين، وتطور، كماً ونوعاً… وبدا أنه، وحده، ما يميز صحيفة يومية عن أخرى.
– وبالمقابل، فإن الخبر، والقصة الإخبارية، والتحقيق الاستقصائي، بقيت، جميعاً، من الأعمال الصحافية الروتينية التي لا تستقطب الموهوبين والمثقفين.
ولهذه المفارقة، في رأيي، عدة أسباب ثقافية ومؤسسية. ومن الأخيرة أن المؤسسات الصحافية لا تدرب الكتّاب، بل يأتونها جاهزين بقدراتهم وأحياناً بأسمائهم، فليس لها عليهم سوى فضل النشر، ومنها أن الكتاب الصحافيين أدركوا أهمية المنابر الصحافية التي تحولهم إلى قوة تطلب الحكومات والمؤسسات ودها.
وقد نشأ، بسبب كل ذلك، نوع من التواطؤ يتيح استخدام الكتاب حيوية مصطنعة للصحيفة، ولتأمين مصالح الكتاب في الحصول على النفوذ أو المكاسب. غير أن التواطؤ لا ينتهي عند هذا الحد، فالتعليقات الصحافية يتم استخدامها، كآلية اساسية من آليات إعادة تكييف حرية الصحافة في الإعلام الدعائي، أو صحافة حشد الرأي العام وراء الحكومة وسياساتها.
ومن خصائص التعليق الصحافي أنه غير موقوت مثل الخبر… أو التحقيق. وهذا مجال آخر للتواطؤ على حرية التعبير، بحيث يمارس الكاتب حريته في نقد الحكومة-مثلاً-بعد أن تحوز امتحان الثقة النيابية أو يعالج-بحرية نسبية-حدثاً بعد أن يكون قد انتهي، وانتهت تفاعلاته.
وعلى سبيل المثال، فإن الصحافة الأردنية تعاملت مع أحداث معان 2002، أولاً، بمنع الخبر ثم بنشر الخبر الحكومي، والترويج له، ومنع نشر أي تعليقات مضادة. ولم تقم الصحافة بأي تحقيقات مستقلة، وكانت القصص الإخبارية التي كتبها موفدو الصحف تكراراً للرواية الحكومية عن الأحداث. وقد أتيح، فيما بعد، وفي صحيفة يومية واحدة هي «العرب اليوم»، نشر تعليقات صحافية مضادة للتفسير الحكومي لأحداث معان. بل أن الصحف اليومية-ومرة أخرى باستثناء «العرب اليوم» -امتنعت عن نشر تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية الذي صدر، مؤخراً، بعنوان «معان… أزمة مفتوحة» بينما نشرت الرد الحكومي عليه.
وخلال الحرب الأميركية على العراق في آذار الماضي، تجرأت صحيفة يومية واحدة على نشر رسالة الشخصيات الأردنية المعروفة ببيان الـ 99 إلى جلالة الملك، والتي تطالب باتخاذ مواقف من العدوان. وقد تم «التعتيم» على هذا الخبر، بينما نشرت الصحافة تعليقات وإعلانات مضادة.
وسآتي الآن على وسيلة أخرى من الوسائل المصطنعة لإظهار حيوية غير موجودة وحرية ضائعة في الصحافة اليومية. إنها الترجمات. وأوضح، هنا، أن المقال المترجم لا يلعب دوراً سياسياً محلياً؛ وهو لا، يؤثر على تشكيل الرأي العام المحلي، كما تفعل التعليقات المحلية. وهكذا، فقد أحصيت حوالي (100) مقال مترجم لكتاب أميركيين، نشرتها إحدى الصحف اليومية خلال الأشهر الاخيرة، توضح عمق الأزمة الأميركية، وتفضح هشاشة المشروع الأميركي في العراق. ولو وقع كاتب أردني، بعض هذه المقالات، لما كان بالإمكان نشرها في الصحيفة ذاتها.
وهذا التكتيك تتبعه الصحف في هذه القضية أو تلك. وهي، تستخدم الترجمات-مثل التعليقات -لإضفاء قدر من الحيوية المصطنعة على فقر شديد في الأداء الصحافي في المجالين الرئيسيين لعمل الصحيفة، وهما الخبر والتحقيق.
أخلص، إذن، إلى الآتي:
إن الصحافة الأردنية لم تتطور، مهنياً وسياسياً، خلال الـ 15 عاماً الأخيرة، وهي فترة الانتقال إلى الليبرالية، على الرغم مما أتيح لها من فرص، بسبب التواطؤ بين السلطات والصحافيين والمؤسسات الصحافية على آداء «لعبة الحرية» في الدائرة الضيقة نفسها للصحافة الدعائية.
والمشكلة التي تواجهها الصحافة الأردنية الآن، أنها تخطت الحدود في لعبة مكشوفة، فلم تعد تؤثر حتى في الاتجاه المقصود، وهو حشد الرأي العام وراء السياسات الرسمية، فالتأثير في الرأي العام، يتطلب قدراً من الصدقية؛ والصحافة الأردنية، ككل، تخسر رصيدها في هذا المجال، يوما بعد آخر.
*مقتبس من مداخلة الكاتب في ندوة «نحو صحافة أردنية جديدة» في مركز الرأي للدراسات 23/10/2003.

Posted in Uncategorized.