ناهض حتّر
العنوان المقترح: »الصحافة والديمقراطية في الاردن« غير دقيق. ذلك ان مفهوم الديمقراطية يحيل الى آليات جماعية ملزمة لاتخاذ القرار. ونحن لم نستطع ان نحز على واحدة منها حتى الان.
صحيح اننا نملك »آلية جماعية لاتخاذ القرار «تتمثل في البرلمان. سوى ان هذه الآلية غير ملزمة (بل ويمكن تغييب هذه الآلية كليا عند اللزوم) ويرجع ذلك الى سببين رئيسيين، اولهما ان قانون الانتخابات العامة (بصيغه السابقة والحالية) لا يسمح بتكوين مجالس نيابية قادرة على صون صلاحياتها الدستورية، وثانيهما ان تلك الصلاحيات، بالاساس، جزئية معطلة بالتعديلات غير الدستورية التي دخلت على الدستور الاردني لعام 1952. سوي ان ذلك ليس موضوعنا الان.
ان» الانتقال نحو الليبرالية «هو العنوان العريض لما يجري في الاردن منذ العام 1989 حين تم اسقاط الاحكام العرفية، والعودة الى سيادة القانون، والاطلاق الجزئي للحريات السياسية، مقابل الاطلاق المتسارع والجذري لحرية قوى السوق. وهي في الأردن-مثلما هو متوقع-كمبرادورية الطابع.
وعلى كل حال، فان الانتقال نحو الليبرالية وفر للصحافة الاردنية، فرصا مهمة للتقدم المهني والسياسي، وذلك من خلال الآتي:
– توفير الضمانات القانونية المعقولة ضد تعسف الادارة في منع التراخيص الجديدة او الغاء القائمة منها او تعطيل الاصدار. وهي كلها ممارسات عانت منها الصحافة في العهد العرفي. وكانت تمثل سيفا مسلطا على المؤسسات الصحافية وترهبها.
– النمو في الموارد المالية الناجمة عن زيادة التوزيع والاعلانات.
– الاطلاق الجزئي لحرية التعبير والعمل السياسي وعودة الحياة البرلمانية.
وفي هذا الاطار الممتد منذ حوالي عقد ونصف العقد، فقد كان من المتوقع ان تحقق الصحافة الاردنية، الانجازات المهنية والسياسية الآتية:
1) تطوير التداول الحر للاخبار والمعلومات والاراء، وتحفيز الحوارات.
2) الرقابة على السياسات الحكومية الداخلية والخارجية، واداء المؤسسات الحكومية والخاصة والاهلية.
3) وهو ما يتطلب، تطوير الادوات المهنية كالخبر والتقرير والتحليل والتعليق والتحقيق. وتطوير الكفاءات الصحافية في كل هذه المجالات.
4) تحول الصحف الى مؤسسات مدنية ذات استقلالية، والى اطر لحماية الصحافيين والكتاب والمثقفين، وتحسين مستوى معيشتهم. وتوفير الامكانات لتطوير قدراتهم.
5) وينشأ عن كل ذلك بالطبع، تعميق دور الصحافة الاردنية في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية.
فهل تحققت هذه التوقعات؟
لقد وقع العبء الرئيسي لانجاز هذه التوقعات، في التسعينيات على الصحافة الاسبوعية التي شكلت، لسنوات، ظاهرة ايجابية قبل ان ترتكس، وتتحول الى ظاهرة طفيلية كما هي الان.
لقد اتاح قانون المطبوعات لسنة 1993 الليبرالي الطابع، الفرصة للعديد من الصحافيين، للحصول على تراخيص لاصدار صحف اسبوعية، وبالنظر الى ان الاستثمار اللازم، في صحيفة اسبوعية، محدود، وبالنظر الى وجود امكانيات متسعة للتوزيع، وكذلك الى التوسع في الانفاق الاعلاني، فقد تكاثرت الصحف الاسبوعية، واخذت تتنافس على موقع لدى قراء مهتمين بالحياة السياسية.
ولتحسين مواقعها التنافسية اخذت الاسبوعيات، تطارد الاخبار، وتهتم باعداد قصص اخبارية متنوعة لارضاء جمهور واسع من القراء. وكذلك، درجت على استصراح السياسيين، واجراء المقابلات الصريحة معهم، واستكتاب المعارضين، واذا كان صحيحا ان الصحافة الاسبوعبة في اردن التسعينيات كانت متفاوتة المستوى، وانها لم تلتزم، دائما بمعايير
الصدقية، وانها روجت كتابات المعارضين والتحقيقات الاستقصائية حول ملفات الفساد والاستبداد، الى جانب التقارير والصور التي تستهدف الغرائز، فانها شكلت، ككل، ظاهرة ايجابية، وقد حفزت الحوار السياسي، ونشطت الاحزاب والفعاليات السياسية، وأثرت، بصورة ايجابية على اداء اليوميات، وخصوصا حين خرج من ظاهرة الاسبوعيات، مشروع يومية تعكس الجوانب الايجابية والسلبية معا لظاهرة الاسبوعيات، هي صحيفة »العرب اليوم «.
وسنلاحظ ان السلطات الحكومية، والامنية، لم تقف مكتوفة الايدي ازاء ظاهرة الاسبوعيات. وبدأت تعمل على اضعافها وتحطيمها، مستغلة، بالطبع، عدم الانضباطية المهنية في العديد من الصحف الاسبوعية او اسفافها في تناول المسائل الاجتماعية والجنسية… الخ
وقد واجهت الاسبوعيات في النصف الثاني من التسعينيات، ما يلي:
1) الاحالات الكثيفة الى المحاكم، وسجن الصحافيين، والضغوط الامنية والتهديدات وتجنيد صحافيين، واستخدام الصحافة الاسبوعية للحصول على معلومات او الاساءة الى سمعة المعارضة.
2) الحملات الإعلامية-السياسية للحط من قدر الصحافة الاسبوعية، وتشويه سمعتها.
3) تجفيف الموارد المالية من الاشتراكات والاعلانات.
4) اصدار قانون المطبوعات المؤقت لسنة 1997. الذي وجه ضربة موجعة للأسبوعيات، وبصورة خاصة، لجهة اشتراط زيادة رأسمال الصحيفة الاسبوعية الى (300,000) دينار، بالاضافة الى قيود اخرى.
وعلى الرغم من ان هذا القانون، لم يعش سوى اقل من سنة، فقد كان كافيا لزعزعة استقرار المؤسسات الصحافية الصغيرة، واضطرار معظمها الى عقد صفقات البقاء.
وبمعنى اخر، فقد تم استخدام كل الاسلحة الممكنة للقضاء على استقلال الصحف الاسبوعية، وتهميش هذه الظاهرة التي تعيش، اليوم، هبوطا عاما، باستثناء عدد محدود منها فان الاسبوعيات غدت ظاهرة طفيلية.
*مقتبس من مداخلة الكاتب في ندوة »نحو صحافة اردنية جديدة «في مركز الرأي للدراسات 23/10/2003.