ناهض حتّر
هناك محاولة لتبرير ظاهرة البطالة المعممة بإحالة أسبابها لـ “الثقافة” المسيطرة في المجتمع الأردني، وليس إلى سيطرة آليات السوق الرأسمالية المتوحشة.
ما يزال الفقراء يصرون على تعليم أبنائهم في الجامعات، وما يزال الشباب يفضلون البطالة على الاندراج في جيش العمالة الرخيصة، وما يزال الأردنيون معتدين بأنفسهم وبأبنائهم، ويأملون بحياة أفضل. هذه هي المشكلة… لا غير!
ويكون الحل، إذاً، بالتوقف عن إرسال الأبناء والبنات إلى الجامعات، وإقناعهم وإقناعهن بالقبول بالعمل ثماني ساعات وراء الآلات أو في خدمة المنازل والسياح! مقابل 95 ديناراً في الشهر، ينفقها أحد أولاد العز على وجبة في مطعم أو زيارة سياحية داخلية إلى فندق على البحر الميت!
هذا الحل ممتاز… ولكن هل تقبلونه لأبنائكم؟! أرسلوا أبناءكم من المدرسة الثانوية إلى المصانع، أولاً وسنفعل الشيء نفسه بعدكم!
المجتمع الأردني ما يزال يرفض التسليم بقدر الانقسام الطبقي الصلد إلى أثرياء-فاحشي الثراء-وفقراء لا أمل لهم. إنه يؤمن بالمساواتية وبالديمقراطية الاجتماعية… وهذه مشكلة حقيقية تواجه الأقلية التي استأثرت-وتستأثر-بالثروة الوطنية، وأعادت-وتعيد -هيكلة الاقتصاد الوطني، بما يضمن لها تكوين الثروات الطائلة والإنفاق الخيالي على مستوى حياة مترف، لا يسمح به الاقتصاد الأردني المجوف من داخله، والقائم على المضاربات المالية والعقارية واستخدام موارد القطاع العام.
هذا لا يعني، بالطبع، أننا لا نواجه تعقيدات هيكلية في أزمة التعليم والبطالة، ولكن حلها لا يكمن في تغيير ثقافة المجتمع، ولكن في تغيير هيكل الاقتصاد الوطني، جذرياً، لمصلحة الأغلبية.
أولاً-التعليم الجامعي حق أساسي للمواطن. وهذا الحق ليس مرتبطاً بالقدرة المالية للطالب، ولكن بذكائه وقدرته على التحصيل، والحل العادل لمشكلة تضخم التعليم الجامعي يكمن في تحريره من البزنس واستثمار القطاع الخاص وخصخصة الجامعات الحكومية، وإخضاعه -بالمقابل-للمعايير الأكاديمية الصارمة التي لا تسمح بالنجاح السبهللة.
الشاب الذكي الجاد المجتهد من حقه المطلق أن يدرس في الجامعة على حساب المجتمع، ومن حقه المطلق أن يتابع دراساته العليا حتى النهاية، ومن حقه المطلق أن ينافس على المواقع القيادية من دون تمييز اجتماعي أو سياسي.
ثانياً-تكوين الطبقة العاملة الجديدة وثقافة العمل الجديدة، يبدآن من العودة إلى خدمة العلم-غير القابلة للاستثناء لأحد، كائناً من يكون-وإعادة تعريف خدمة العلم في إطار تنموي، بحيث يعمل المكلفون والمكلفات سنة على الأقل، في مجالات إنتاجية وخدمية.
ثالثاً-إعادة تكوين القطاع العام في المجال الإنتاجي، ينسجم مع العقلية الأردنية التي تؤمن بالدولة. فالعامل في مصنع تابع للقطاع العام، يظل، في النهاية موظفاً.
رابعاً-إلا أن المشكلة الرئيسية تبقى تكمن في الحصول على أجر عادل… أي الأجر الكافي لإدامة الحياة وتحسينها، والضمانات الاجتماعية والصحية وفرص الترقي.
وهذا غير ممكن في ظروف التضخم المستمر، أي بربط الأجور بالأسعار، وتحسين وتعزيز الخدمات العامة، وتعزيز النقابات العمالية، وحقوق العمل وامتيازاته.
خامساً-فرض الضريبة على الأرباح الرأسمالية، والضريبة التصاعدية على الرأسماليين من أجل إعادة تدوير الثروة، وضمان الحد الأدنى من المساواة في مستوى الحياة.