منطقة خطر
ناهض حتّر
ماذا نفعل بهذه الكلمة الممنوعة من التداول: الخيانة ؟! هل يمكن، مثلا إخراجها من القاموس بقرار جماعي من مجامع اللغة العربية؟ أو هل نبقى عليها قاموسيا… مع اعتبارها مثل الأسماء الشعبية للأعضاء التناسلية، موجودة، وتعبر عن أشياء محددة، ولكنها لا تُكتب ولا تقال في مجالس المثقفين والمهذبين؟!
في الخمسينات العربية، كانت توصف سياسات محددة بأنها «خيانة» وأصحابها بأنهم «خونة». واستمر العرب يستخدمون هذه الكلمة إلى السبعينات، حين بدأت تتعرض إلى نقد خجول أولا، ومن ثم عنيف، فعنيف جدا؛ إلى أن جرى استبعادها من التداول باعتبارها كلمة غير مهذبة، انشائية، قديمة، غير متحضرة، ليس لها معنى، اتهامية، غير ديمقراطية، سوقية، هجائية، معيبة… فبطلت الكلمة، وظلّ معناها موجودا، فصار المرء يكتب آلاف الكلمات ليصف شيئا محددا، تكفي لوصفه كلمة واحدة جامعة مانعة… أعني «الخيانة»!
صحيح أن العرب-وهم قوم مسرفون-أسرفوا في استخدام تلك الكلمة الملعونة، وبعثروها شمالا ويمينا، بحق وبنصف حق وبغير حق؛ ولكن إساءة استخدام كلمة لا يلغيها، مثلما أن اتساخ الطفل لا يجعلنا نقذف به إلى المزبلة! غير أننا فعلنا. مارسوا علينا حربا نفسية شعواء، ونجحوا، فخجلنا من الكلمة، ولم نعد نتفوه بها!
والغريب في أمر العرب أنهم كانوا يكثرون من استخدام كلمة «الخيانة» عندما كانت الحياة العربية تشتمل على قدر أقل مما تشير إليه الكلمة؛ فعندما صارت السياسات والممارسات والأفعال التي يمكن وصفها بإيجاز ودقة علمية متناهية، بأنها خيانة… هي الشيء الأساسي في حياة العرب، لم يعد أحد منهم يتفوه بها!
في الماضي، كان بدر شاكر السياب، يقول على لسان الخائن:
أنا… ما تشاء… أنا الحقير
صبّاغ أحذية الغزاة… وبائع الدم والضمير!
أما اليوم، فلم يعد الخائن حقيرا لأنك لا تستطيع أصلا، أن تقول له أنه «خائن»… والأمور نسبية… أما «صباغة أحذية الغزاة» فقد غدت مهنة محترمة جدا، يحترفها، باعتزاز بالغ، مثقفون وثوار سابقون وقادة… فهي، في النهاية، مهنة! أما الدم والضمير وسواهما من كراكيب الزمن الماضي، فلم لا نبيعها، ونجدد أثاث المنزل؟