حديث الإثنين
ناهض حتّر
على “دوّار الحاووز” في جبل اللويبدة، بكيتُ مرةً… وضحكتُ مرةً!
لأشجارهِ الوارفةِ الحنون، شكوتُ وغنّيتُ وقلتُ وقلتُ…
وفي ظلّه الآمِن، تبادلنا النشراتِ السريّةَ والمحبَّات والأماني…
ولِطلّته، ابتسمتُ في الصباحاتِ المشبعة بالندى والأمل…
وعلى مقاعده القديمة المقشورةِ الدهان، جلستُ في مساءاتِ الكآبةِ وليالي الألم، أنتظرُ قمراً يطلع من غيهب العتمة.
لم يكن “دوّار الحاووز” في حياتنا، مساحةً خضراءَ عابرةً في وطنٍ عابر، امتلأ بالإسمنت والإسفلت… بل شجرةً للروح في وطنٍ أحببناه، في فورةِ الصبا، أمكنةً ونساءً وكتباً وياسميناً… وقلنا نكبرُ وننسى، فكبرنا وتذكَّرنا!
ليس “دوار الحاووز” دوّاراً يضيقُ على نفسه بأوامر التجّار… بل ذاكرةَ مدينة بلا ذاكرة؛ وملعباً لخيالاتِ أجيالٍ، وأحزانِ عشّاقٍ، وأحلامِ صبايا. وذاتَ ليلةٍ، على رصيفه الدائري، ضحكنا، أنا ومحمد، حتى الفجر. ومن خَلَلِ دموعِ الضحكِ، بكيتُ هياماً… وقلتُ: أموتُ، سعيداً، فداء هذا الشجرِ، وهذي المقاعد، وهذا الحديد. وهذا التراب.
اكتشفتُ، ذلك الفجر… أنّني عاشقٌ، وأنّ عمّان في ضلوعي.
***
الجرَّافاتُ، ذاتَ صباحٍ أسودَ، تعصفُ بالذاكرةِ وبالضلوع.
الجرَّافاتُ… تحطِّمُ البكاءَ والضَّحك، وتجرفُ الوطن، وتكسرُ القلب… الذي أقسمَ، مرةً، أن يهرقَ دَمَهُ لكي تظلَّ أشجارُ الدوَّارِ… واقفةً.