ناهض حتّر
تسعى مجموعة مستقلة من الشيوعيين الأردنيين إلى توحيد صفوف أعضاء الحزب أصدقائه وجمهوره في حزب سياسي غير عقائدي يعبر عن اليسار الاجتماعي في الأردن. وهذا المسعى الذي يحاول إنقاذ اليسار الأردني من تمزقه وفواته، يأتي في سياق أوسع في إطار عملية تستهدف توحيد الأحزاب الأردنية المتقاربة وتجديدها للتلاؤم مع أطروحة “التنمية السياسية” التي يتبناها القصر، وأسس لها وزارة خاصة، وتقترح إعادة تأهيل الأحزاب الأردنية في أربعة أو خمسة أحزاب برامجية كبيرة، مقابل الانتقال إلى انتخابات برلمانية على أساس القوائم الحزبية، وتداول السلطة. هنا قراءة في الاتجاهات الضرورية لإعادة بناء الأحزاب الأردنية.
(1) الحركة اليسارية
يتوزع اليسار الأردني، اليوم، على ثلاث منظمات صغيرة، هي:
1) حزب اليسار الديمقراطي
٢) الحزب الشيوعي الأردني
٣) حزب الشغيلة الشيوعي الأردني.
والأول ملتحق بالليبرالية، والثاني ملتحق بالإخوان المسلمين، والثالث يتمحور حول القائد الشيوعي المخضرم الدكتور يعقوب زيادين، وعدا عن نقطة القوة الاساسية هذه، فإن هذا الحزب غير حاضر ومضطرب السياسة.
وإلى هذه المنظمات، هناك عدد كبير جداً من الشخصيات اليسارية المستقلة من المثقفين والمهنيين والشخصيات الاجتماعية، عداك عن الجمهور التقليدي لليسار. وبالمحصلة فإن القوى المفتتة لليسار الأردني معاً، تزيد، بثلاثين ضعفاً على الأقل، عن الحجم السياسي القائم لهذا اليسار.
إن التفتت التنظيمي، بحد ذاته، ليس هو المسؤول عن هذا الوضع. فالمشكلة تكمن في أن أياً من المنظمات القائمة لا تتبنى سياسة يسارية مستقلة وفعالة من حيث تطابقها مع برنامج يعبر عن رؤى ومصالح الفئات الشعبية المرشحة لأن تكون القاعدة الاجتماعية لليسار.
وعلى كل حال، ربما كان متعذراً على أي من المنظمات اليسارية القائمة، ان تقطع مع ارتباطاتها وانماط تفكيرها الراهنة، بحيث تستطيع القيام بدور تاريخي خاص لاستيعاب المهمات الفكرية والتنظيمية المطلوب إنجازها من أجل تأطير الفعاليات اليسارية والجمهور اليساري في حزب كبير، أصبح وجوده الآن ضرورة وطنية، لأربعة أسباب:
١) الحاجة إلى وجود قوة ديمقراطية متماسكة ومؤثرة، تعمق وتصون الحريات الاساسية والحقوق الدستورية والدستور، وتضمن، بصورة فعالة، الدفاع المنظم عن تأصيل الديمقراطية وحقوق المواطن والانسان في البلاد، وهي التي تخلو من وجود أي حزب ديمقراطي أصيل ومتماسك حتى النهاية، وقد لاحظنا أن المعارضة القوموية -الإسلاموية، قد فشلت، في أن تركز جهوداً كافية أو حتى اهتماماً كافياً للتصدي للتراجع المؤسف في الــداء الديمقراطي الاردني.
٢) الحاجة إلى قوة سياسية توازن قوة الليبرالية المتعجلة في إعادة هيكلة الدولة والمجتمع، لمصلحة الرأسمال الأجنبي ووكلائه المحليين وإلغاء دور الدولة الاقتصادي-الاجتماعي، واتباع الخصخصة كعقيدة رسمية للدولة. إن الليبرالية الاقتصادية العقائدية لا تقود، فقط، إلى إفقار وتهميش الأغلبية، ولكنها تقود أيضاً إلى الركود وتمنع التنمية غير الممكنة من دون وساطة الدولة. هنا، لا أتصور دور اليسار، فقط، كحزب يدافع عن مصالح الكادحين، بل، أيضاً عن الفئات الوسطى، وعن مصالح الدولة الوطنية، بما في ذلك التحرر من قيود المديونية وتوفير الإطار الاجتماعي والسياسي والقانوني للتنمية المستدامة في مقابل تقليص ومن ثم وأد الكمبرادورية.
٣) الحاجة إلى قوة سياسية-ثقافية توازن قوة السلفية السياسية والثقافية التي تمنع قسماً كبيراً من الجماهير الشعبية عن القيام بدورها في النضال الديمقراطي والتنموي، من حيث أنها تحول بينها وبين تجذر وعيها الاجتماعي، وتنشر في صفوفها أنماطاً من التفكير السياسي غير العقلاني وغير الإنتاجي.
٤) الحاجة إلى قوة سياسية تبلور الضرورات السابقة في إطار وطني يمنح لوحدة الشعب-الدولة، الهوية الجماعية.
واليسار هو المؤهل للقيام بهذه المهمات، أولاً، لأنها تتطلب اطاراً فكرياً ورؤية، ليسا موجودين إلا عند اليسار وحده، وثانياً، لأن القاعدة الاجتماعية الوطنية من جماهير الريف ليس لها أفق لإنقاذ نفسها من التهميش سوى البرنامج اليساري، والثقافة التقليدية لهذه الجماهير-بما تنطوي عليه من قيم المساواتية والتضامن والتعاون العشائري -سوف تجد في يسار اجتماعي غير عقائدي ومشبع بالروح الوطنية والقيم الثقافية المحلية، الحزب الذي تريد.