العرب اليوم
شؤون اردنية
ناهض حتّر
*اذا كانت المخابرات الاميركية قد تحسست بالفعل «نبض الشارع العربي» ووجدته، حسب تقريرها المعلن، قابلاً للانفجار فما معنى ان تباشر الادارة الاميركية الجديدة، نشاطها في «الشرق الاوسط» بالعدوان على العراق؟
يقول الرئيس الاميركي الجمهوري جورج دبليو بوش «اننا موجودون في الشرق الاوسط والخليج، وسنظل هناك» ولكنكم، يا فخامة الرئيس، موجودون لا بفضل البوارج والطائرات والجيوش ولكن بفضل النظام العربي التابع… لان «المواطن العربي العادي اصبح ضجراً وميالاً الى التمرد»…
هل ننصح الولايات المتحدة بالتعقل… ونغريها بمراعاتنا قليلا، كي يظل النظام العربي قائما، وتظل هي بفضله في بلادنا؟ كلا. ولكننا نحاول ان نفهم المنطق الخفي للسياسة الاميركية الجمهورية نحو «المنطقة» فلعل واشنطن تريد استعادة لعبة «عاصفة الصحراء» السياسية: بعض الجفاء مع رئيس الوزراء الاسرائيلي، وبعض الانتقادات لعدوانيته ضد الفلسطينيين، الضغط على اسرائيل من اجل مدريد-2، في سياق استعادة الاجماع العربي ضد «العدو» الرئيسي: العراق!!
فبما ان الحصار الدولي المفروض على هذا البلد الذي لا يريد ان يذعن لمصالح الاحتكارات النفطية الاميركية هو في حقيقته وآلياته، عربي، فان عودة العرب الى العراق، خصوصا سورية ومصر من شأنها ان تعصف في النهاية بالحصار وتعطي لبغداد القدرة على مواصلة التمرد هذا الى ان الكتلة السورية -العراقية، حين تنضج ويشتد عودها، سوف تؤدي الى ملء الفراغ العربي في مواجهة اسرائيل.
وفي الحقيقة فان «المسألة العراقية» هي بالفعل، المسألة الرئيسية في «المنطقة» وحلها خارج ارادة الولايات المتحدة سوف يؤدي الى الاضرار بالمصالح الاميركية هنا: النفط وامن اسرائيل.
تحييد اسرائيل وضرب العراق وتشديد الحصار عليه. هذه هي اللعبة الاميركية المستعادة فهل الدرس واضح؟ ام ان العرب ما يزالون مستعدين للفصل بين القضايا… وبين «المسارات»؟! ولكن المواطن العربي العادي ضجر، فعلا، من هذه اللعبة والمواطن الفلسطيني في الاراضي المحتلة، الاكثر حساسية، بادر فورا الى التعبير عن غضبه فانطلقت مسيرات التنديد بالعدوان الاميركي الجديد على العراق، في رام الله وقلقيلية وطولكرم وبيت لحم، ترفع صور الرئيس صدام حسين وتطالب الامم المتحدة «بوقف المجازر ضد الشعبين الفلسطيني والعراقي» وتدعو العرب الى اسناد العراق «حفاظا على مستقبل الامة العربية وعروبة القدس» وهذا صحيح تماما وبليغ سياسيا. فالعدوان الاسرائيلي ضد الفلسطينيين والعدوان الاميركي ضد العراقيين يجري في سياق استراتيجي واحد. وسيستمر هذا السياق قائما وقادرا على تحقيق النجاحات، طالما ان مواجهته تتم في سياقات تكتيكية… بيد اننى، انا المواطن العربي العادي، لم اعد اترجى شيئا من نظام عربي يتحكم فيه «حلفاء» الولايات المتحدة وانصار «العملية السلمية».
ضجرنا حقا؛ ضجرنا لان القصة واضحة:
– الحصار المعلن على العراق يوازيه حصار غير معلن-ولكنه حقيقي وخانق-على الأردن.
– التهديد الاسرائيلي لسورية ممكن وفعال فقط، لان العراق محاصر ومعزول ومضروب.
– الشارونية خطر حقيقي على المشروع الوطني الفلسطيني لان المشروع الوطني الاردني ما يزال عالقا ومتشققا واعرج وفي حالة انتظار!!
– المسار الفلسطيني وصل الى الجدار، لانه انشق اصلا عن «المسار» الاردني فلم تعد الضفة الغربية ارضا محتلة… بل متنازع عليها!
– و«السلام» الثنائي الاردني-الاسرائيلي، اصبح عبئا على الاردن وسيادته وعلاقاته العربية، ومدخلا لاختراق البلد وامنه وتهديد مستقبله، لانه انشق اصلا عن «المسار» السوري اللبناني.
– و«المسار» السوري اصبح محكوماً «باستراتيجية السلام» لان مصر خرجت عن المسار العربي كله!
و… و…
وماذا افاد الفلسطينيون من «اوسلو» سوى المزيد من الفقر والمزيد من القيود والمزيد من المجازر الاسرائيلية، والمزيد من الاستيطان، والمزيد من التهجير؟
وماذا افاد الاردنيون من «وادي عربة» غير سوء السمعة في الجوار العربي؟!
ضجرنا حقا… ونحن لا نشكك في قوة الولايات المتحدة ولا في التفوق الاسرائيلي الاقتصادي والعسكري، ولكننا نشكك في عقلانية اساليب المعالجة العربية للتحديات!
فلا يحتاج المرء الى ان يكون عبقريا في السياسة، لكي يدرك ان الرد العربي الناجع على العدوانين الاميركي والاسرائيلي، غير ممكن الا في سياق استراتيجي واحد، يربط القضيتين الفلسطينية والعراقية، ويربط المسارات في اطار مبادرة واحدة، ومطالب واحدة، ومفاوضات واحدة، حتى لو كان ذلك يتطلب التجاوز على الاجماع العربي فاجماع «الهلال الخصيب» يكفي!!
ضجرنا حقا! ولكن هل نحن بالفعل اصبحنا اكثر ميلاً للتمرد؟ اي للمساهمة الايجابية في الامساك بمصيرنا؟ كلا فالفشل العربي المتكرر في مجابهة العدوان الاسرائيلي الاميركي، نابع، اصلا من ان 80 بالمئة من الجماهير العربية خارج هذه المجابهة! بل ان المفكر الفلسطيني ادوارد سعيد يرجع فشل الحركة الوطنية الفلسطينية في تحقيق اهدافها الى ان اغلبية الفلسطينيين ما تزال خارج النضال الذي تتصدى له اقلية لا تزيد عن ثلث الفلسطينيين في الاراضي المحتلة! وهو واقع الحال في بلدنا ايضاً حيث ما تزال اغلبية الاردنيين خارج المعادلة السياسية.
اذن تبدو المهمة الملقاة على عاتق المثقفين الان، العودة الى المربع الاول، الى النقد الذاتي، على المستوى الفردي والجماعي: من نحن؟ ماذا نريد؟ ما الذي يتوجب علينا فعله في الـ «هنا» و «الان»!!
وبالنسبة لي يتملكني الاحساس بمسؤوليتي الكاملة عن دم كل طفل يهرق في فلسطين والعراق، يجلدني صوت الشاعر المصري عبد الرحمن الابنودي يأتيني من داخلي قائلا:
«انا الموساد»
«انا الفساد»
«انا اللي قتلت ناجي العلي»
انني، انا المواطن العربي العادي، اتحمل كامل المسؤولية… عن الهزائم والدماء والخروج من التاريخ… والجغرافيا! 0
بصدد العدوان… والعراق وفلسطين وسواهما«المواطن العربي العادي» هو المسؤول…
Posted in Uncategorized.