ناهض حتّر
فاجأني النائب روحي شحالتوغ! وأسعدني أن ثمة في شعبنا، دائماً من يفاجئك بالتمسك بروح الحركة الوطنية وقضاياها الكبرى، وبحق البلد في طرح الاسئلة الاساسية.
خصص النائب الشجاع، القسم الاول من كلمته الاولى امام مجلس النواب الرابع عشر، لاستذكار مقاطع اساسية من اعلان انشاء «التجمع العربي القومي الديمقراطي الاردني» بتاريخ 21/7/1990، حين كان المهندس علي ابو الراغب، رئيس الوزراء الحالي، عضواً في ذلك التجمع، وواحدا ًمن اربعين شخصية وقعت على اعلانه.
وتشير «المقاطع» المذكورة الى سلسلة من المواقف السياسية المتعارضة بالكامل مع السياسات التي انتهجتها حكومات المهندس علي ابو الراغب الذي كان، في العام 1990، مع «الغاء القيود المفروضة على حقوق الاردنيين»، و«التخلي عن مدرسة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي» و«المحافظة على القطاع العام» و«رفض وافشال المشاريع الاميركية -الاسرائيلية… الخ».
وباختصار، يلاحظ شحالتوغ ان ابو الراغب انقلب 180 درجة على خندقه السياسي السابق. وليس ابو الراغب وحده الذي فعل ذلك. وهذه هي، على كل حال، مشكلتنا مع النخبة السياسية الاردنية التي يبحث اعضاؤها عن المكانة والدور، بغض النظر عن الافكار والالتزامات. واغلبية هذه النخبة مستعدة للخدمة تحت اي شعار، وضمن اي برنامج. وبالمقابل، يظل هناك حرس الذاكرة ومثيرو الاسئلة الصعبة، مثل شحالتوغ، يفاجئوننا في أحلك الساعات!
يربط شحالتوغ بين المادة الثامنة من المعاهدة الاردنية –الاسرائيلية التي تنص على «المساعدة على توطين..» اللاجئين والنازحين، ومعنى دعمنا لخارطة الطريق، ويتساءل عن دلالات استقبال رئيس ادارة الاحتلال الاميركي في العراق بول بريمر، من لدن الحكومة الاردنية. ويعيد طرح السؤال الغائب/الحاضر عن الفشل المتعاظم في معالجة مشكلة المديونية العامة… ويلاحظ ان توصيات صندوق النقد الدولي «تصدر بقوانين اردنية».
ويشير شحالتوغ الى دستور 1952، والى استقلال القضاء، والمحكمة الدستورية ونقابة المعلمين… و… و… كل ما يعتلج في صدور المثقفين الوطنيين من افكار ومشاعر ومطالب واحتجاجات. وهو ما لا يفعله السياسي المحترف الذي يعالج عادة، قضية رئيسية من منظور عام، ويقدم معالجات ملموسة.
غير ان شحالتوغ لم يصبح بعد سياسياً محترفاً. انه آت من قلب الناس، صادقاً وحاراً وراغباً في القول الى آخر المدى… وفي كل المجالات! إنها صرخة احتجاج… اكثر منها مداخلة نيابية. وسأكون سعيداً جداً اذا امتلك النائب المحترم، الى حرارة الوجدان، المهارات السياسية اللازمة.
واخطر ما في كلمة شحالتوغ اعلانه عن الضغوط التي تعرض لها لـ «تخفيف» نقده لحزمة القوانين المؤقتة التي اصدرتها حكومة ابو الراغب، في خرق صريح للدستور الاردني، وهذه الضغوط على النواب، والصحافة، من شأنها، في النهاية، أن تفرغ الحياة النيابية والسياسية من مضامينها، وتحولها ديكوراً «ديمقراطياً» للحكومات.