العرب اليوم
ناهض حتر
الرئيسان أحمد عبيدات وطاهر المصري، وبعد غيابهما عن مجلس الأعيان، نريدهما وبإلحاح أن يظلا خارج الأطر الرسمية. نريدهما أن يتحررا من كل منصب من دون ان يتقاعدا سياسياً، بل لكي يكون بمقدورهما أن يمنحا نفسيهما بالكامل للحياة السياسية الشعبية. فهذه الأخيرة، تعيش فراغاً وانعداماً للأوزان والفعالية. وهي تحتاج الى قيادات وطنية، أعني قيادات تملك، في الآن نفسه، صفات رجال الدولة وصفات القيادات الشعبية، وتحظى بالصدقية والاجماع.
ونشدد، هنا، على أن المجتمع الأردني يحتشد بالطاقات الشابة والقيادات الوسيطة، ولكنها مجمدة ومحيدة بين خيارين يخنقان الحياة السياسية الأردنية، ويشوهانها. فمن جهة، هناك الليبرالية الجديدة الكمبرادورية المسيطرة على النهج الحكومي، ومن جهة ثانية، هناك بقايا الأحزاب العقائدية المتخشبة بقيادة الإخوان المسلمين. وهؤلاء يلعبون دوراً سلبياً جداً في حياة البلد، من حيث أنهم يمثلون معارضة ثقافوية سلفية تفتقر الى الرؤية الاجتماعية-الاقتصادية التنموية الوطنية التقدمية، ويسعون، كما تدل جميع المعطيات، الى تمثل دور خاص يلعب، من دون أي حس بالمسؤولية التاريخية، على الانقسام الديمغرافي؛ وتقديم أنفسهم بصفتهم محور جبهة «الحقوق المنقوصة».
والخروج من هذا المأزق يستدعي إطلاق تيارات سياسية وطنية ديمقراطية كبرى، تتمثل مصالح الدولة الوطنية الأردنية والفئات الاجتماعية التي تمثلها، وتنظم السجالات الاجتماعية والسياسية في إطار ديمقراطي منتج.
ويواجه الأردن، اليوم، تحديات رئيسية:
أولها، التوصل إلى إجماع وطني على مناصرة الثوابت الوطنية الفلسطينية والتمسك بالقرار الدولي 194.
وثانيها، مراجعة النهج الاقتصادي-الاجتماعي المسيطر، والتوصل إلى تفاهمات داخلية بين القوى الاجتماعية المختلفة-توازن بين ضرورات التحديث الاقتصادي ومصالح الأغلبية الشعبية. وهذه ليست دعوة أخلاقية رومانسية، بل هي الإطار الوحيد الممكن لإحداث اختراق تنموي في البلاد. فمن دون إشراك الأغلبية الشعبية في العملية الاقتصادية ومكاسبها، لن نحصد نمواً بل إفقاراً متزايداً للمجتمع، واستنزافاً لقدرته على الشراء والاستثمار والإبداع. والإطار الممكن لإنجاز عملية تنموية وطنية شاملة في الأردن، يكمن في تعزيز ومقرطة الدور الاقتصادي–الاجتماعي للدولة.
وثالثها، الإصلاح السياسي الدستوري، وتطوير إطار ديمقراطي ينظم مشاركة كل الفئات الاجتماعية والسياسية في القرار الوطني، ويؤمن التلاؤم العميق لعملية التحديث والتنمية.
ورابعها، تأمين وتطوير العلاقات الاستراتيجية بين الشعب الأردني والشعوب العربية، وبخاصة الشعبين العراقي والسوري، بحيث يظل الأردن، كما ينص دستوره وشعبه، عربياً، وشقيقاً حقيقياً، بالقول والفعل، للعرب، وخصوصاً للعرب الأقربين.
***
وفي كل ذلك، نحتاج إلى خط سياسي شعبي عريض عقلاني وديمقراطي، يستطيع أن يلعب الرئيسان عبيدات والمصري، دوراً أساسياً في قيامه.
فللرئيس عبيدات احترام كبير في الأوساط الشعبية الأردنية، وبين جمهور التيارات السياسية. وهو، بمكانته العشائرية والوطنية وحكمته وتجربته وفهمه العميق لهيكلية الدولة الأردنية وثوابتها وإمكاناتها، قادر على القيادة، وعلى تأخير التحركات الشعبية بصورة تحافظ، في الآن نفسه، على انضباطيتها وعلى مضامينها الأصلية المطلبية والوطنية والقومية. وتقع على عاتق عبيدات، في رأيي، مسؤولية ضخمة نريده، بقوة، أن يتصدى لها في تفرغ كامل لإدارة الحوارات، وتأسيس الإطار العام لتيار ديمقراطي ملتزم بالدولة الأردنية، ومصالحها، ومصالح الأغلبية الشعبية.
وللرئيس المصري ميزة تفاضلية استثنائية، إذ أنه الوحيد من بين السياسيين الاردنيين–من أصول فلسطينية-الذي يحظى بثقة واحترام الأردنيين. ويمكنه أن يسهم، بصورة شخصية، في تجسير الفجوات، والتوصل إلى تفاهمات. ونحن نريده أن يلعب دوره الإيجابي التوفيقي كاملاً كابن بار للدولة الأردنية.