حرب إسرائيلية على العلاقات السورية العراقية الأردن: أسئلة صعبة تطرحها السيناريوهات الإقليمية

العرب اليوم
ناهض حتر
تل ابيب تتهم دمشق «باذكاء نزاع اقليمي من خلال توطيد علاقاتها مع بغداد»، وتهدد بالحرب وهذه المرة ليس لحسابها فقط، وانما لحساب الولايات المتحدة الاميركية، مما يجعل التهديد ذا معنى.
واسرائيل (وجودها واحتلالها للاراضي العربية وسياساتها العدوانية التوسعية) هي المسؤولة عن النزاع الاقليمي الرئيسي المستمر في المنطقة منذ خمسين عاماً واذا استطاعت، في عقد التسعينات، اخماده لمصلحتها في ظل عملية السلام الاميركية المنهارة، فهي ترى في كل نهوض عربي دفاعي مضاد، «اذكاء للنزاع الاقليمي» فالمطلوب هو تأييد موازين القوى القائمة وكل محاولة لتعديلها سوف تواجه بالحرب، هذه هي الرسالة الاسرائيلية لسورية وللعرب، بيد ان في هذه الرسالة تفصيلاً يتعلق بما تعتبره اسرائيل تفاهما اميركياً-سوريا ًضمنياً يقوم على حرية سورية باستخدام ذراعها اللبنانية المتمثلة في «حزب الله» ضد اسرائيل مقابل التزامها القطيعة مع العراق، في السياق نفسه الذي بدأ في حرب الخليج الثانية، حين تبادلت واشنطن ودمشق، الضوء الاخضر ازاء لبنان والعراق.
الان توضح اسرائيل، او، على الدقة، توضح الولايات المتحدة الاميركية بلسان اسرائيل ان تجاوز سورية لحدود ذلك «التفاهم» يعني الحرب… وتحديداً تدمير القوات السورية في لبنان وهو تهديد يتناغم مع الحملة السياسية-الاعلامية التي يشنها التحالف الماروني الدرزي ضد الوجود السوري في لبنان، او للدقة، نقول ان تلك الحملة انطلقت اساساً، بضوء اخضر من واشنطن وتل ابيب في سياق التصعيد ضد سورية.
ليس مسموحاً لدمشق، اذن، ان تسند ظهرها الى العراق، وتتمدد، في الان نفسه، في لبنان، لان ذلك يعني احداث تغيير عميق في موازين القوى سواء لجهة قيام التوازن الاستراتيجي بين سورية واسرائيل، ما ينسف، نهائياً، الاطار الاميركي-الاسرائيلي للعملية السلمية او لجهة كسر الحصار نهائياً عن العراق، بحيث يتجاوز العرب، بالفعل، مأساة التسعينات، وتسقط، بالتالي، الهيمنة الاميركية-الاسرائيلية على المنطقة وخصوصاً عندما ينشأ ذلك الحشد الجبار الممتد من ايران الى جنوب لبنان.
بيد ان التصعيد الاسرائيلي ضد سورية في لبنان، سوف يصلب القرار السوري بـ «توطيد العلاقات مع العراق» وهو ما يحدث فعلاً في عملية متسارعة وعميقة وواسعة، ولا يعرف بمداها الاستراتيجي وآفاقها سوى الحلقات العليا في النظامين السوري والعراقي اللذين وصلا الى ادراك نهائي بانه لا بديل عن تحالفهما في مواجهة الحصارين المعاديين، الاسرائيلي والاميركي.
لا غنى لسورية عن الجيش العراقي لمواجهة عدوان اسرائيلي جاهز، ولا غنى لها عن الدعم النفطي العراقي والسوق العراقية لتجاوز ازمتها الاقتصارية، ولا غنى لها عن الدعم السياسي والمعنوي العراقي لتجذير الرئاسة السورية الشابة، وتأكيد ثقلها وموقعها ودورها العربي والاقليمي، ولا غنى للعراق عن البوابة السورية لكسر الحصار، واحتواء المعارضات العراقية، واستعادة الشمال… فكل هذه مفاتيحها بيد دمشق حيث لا يوجد نفوذ اميركي يعطل او يلجم نشوء آلية نفطية وتجارية فاعلة تجعل الحصار الاميركي على العراق نافلاً، واشير، هنا الى ان لدى سورية الامكانية لتصبح مركزاً لتصدير النفط العراقي، وكذلك مركزاً تجارياً للعراق، خارج (او الى جانب) اتفاق النفط مقابل الغذاء. هذا بالاضافة الى ان لدى سورية الامكانية بواقع الحال، وبنفوذها التقليدي لدى الجسم الرئيسي من المعارضات العراقية «الاسلامية واليسارية والكردية» على ضبط ايقاع هذه المعارضات، وربما اعادة دمجها في البنية العراقية لاحقاً.
وهذه الافاق يراها الاسرائيليون والاميركيون، ويتحسبون منها، ويستعجلون بلجمها ولو بالقوة سوى ان الاوائل مشلولون بانتفاضة الاقصى وهذه هي اهميتها الاستراتيجية الاساسية والاخيرون مشلولون بانهيار النظام الانتخابي الاميركي الذي تتصاعد مفاعيله، وسيؤدي في النهاية الى نصف رئيس يدير انكماشاً اميركياً دوليا ًغير معروف بعد مداه واسرائيل المجنونة بغرور القوة لم تدرك، بعد، حجم التغيرات الحاصلة على الساحتين الفلسطينية والعربية، وهي تهدد وتتوعد بدون ان تحسب ردود الفعل والنتائج المباشرة وغير المباشرة لاي عدوان تشنه الان ضد سورية او ضد الجيش السوري في لبنان وقد تكون الازمة السياسية الاسرائيلة المحتدمة تدفع تل ابيب، اكثر فاكثر، باتجاه مغامرة عسكرية، ولكن بطخ القرار الاميركي ليس حتى الان وارداً دعم هكذا مغامرة، سيؤدي حصولها، على كل حال، الى تعميم الانتفاضة الفلسطينية عربياً، في وقت تتجاوز فيه اسعار النفط سقف ادارة الازمة، ما يهدد بانفجارها على نحو يعصف بالاقتصاد العالمي، بينما تنشغل الادارة الاميركية بقضايا الطعون الانتخابية.
هذه اللوحة ليست غائبة، على الارجح، عن ادراك السياسة الاردنية، سوى انها ما تزال تتحسب، اكثر مما يجب، للقوة الأميركية-الاسرائيلية ونحن لا ننكر ضرورة الحسابات الدقيقة، ولكننا نعتقد ان للقوة حدوداً موضوعية تلجمها، وترتد في ظروف معينة، على اصحابها ولعل عمان تواجه اليوم اسئلة صعبة، ولكنها غير قابلة للتأجيل.
• هل يمكن للاردن، موضوعياً، ان يكون في منأى او على الحياد ازاء تشكل كتلة سياسية واقتصادية عراقية -سورية (وبالتالي لبنانية) وهل نذهب الى هذه الكتلة، متأخرين… ام نبادر الى ترتيب حضورنا في صيغة التكامل الرباعي التي طرحها نائب رئيس الوزراء العراقي طارق عزيز.
• وهل يمكن للاردن ان يكون في منأى او على الحياد ازاء حرب تشنها اسرائيل على سورية… وهي حرب لا تستبعد مشاركة عراقية وربما ايرانية.
• وهل يكفي الاردن، في اطار السيناريوهات القادمة، ان يكتفي بدور… الاطفائي على الساحة الفلسطينية، وهل بقي هناك امل بانقاذ ما يمكن انقاذه من عملية السلام المنهارة؟
• وهل استراتيجياتنا الاقتصادية والسياسية سوف تجد لها مكاناً في الترتيبات الاقليمية الجديدة القائمة والقادمة؟ ام انه اصبح ضرورياً ان نرى ان ما بنيناه على رمال العملية السلمية «قائم» على الرمال، قبل ان نغدو خارج السياق وخارج الزمن؟!0

Posted in Uncategorized.