ناهض حتّر
اصطحبني رئيس بلدية اربد، الصديق وليد المصري، في جولة احلامه في المدينة وجوارها ولدى المصري -وهو كفاءة لامعة من القطاع العام -مئة قضية وقضية تتعلق بعاصمة الشمال، الا ان اقربها الى قلبه، وقلبي، هي قضية احياء وسط مدينة اربد. وهي «قضية»!! اولا لان المشروع يحتاج الى حوالي سبعة ملايين دينار لا تتوفر لدى البلدية، وثانيا لان المشروع لا يلقى الاهتمام الحكومي اللازم، وثالثا، لان مجموعة «المتضررين» تضغط بالاتجاه المعاكس… حتى حدود التخريب فاحدهم، وريث اجمل بيوت اربد القديمة هدم البيت النادر في جنح الظلام لانه علم بان البلدية تنوي استملاكه، وتحويله الى مرفق ثقافي -بينما يفكر هو ببناء مجمع تجاري!
ولكن لنبدأ القصة من اولها. اربد لم تعد «اربد» فقد اتصلت عمرانياً، بالقرى المجاورة، واتسعت واكتظت وضاعت ملامحها القديمة، التل والاحياء السكنية بين مساحات الحقول.
واربد هي «تل اربد» بالاساس ولان التل ظل مسكوناً دائماً فنحن نكاد لا نعرف شيئاً عن اربد القديمة او اربد اليونانية – الرومانية «اربيلا» او الاسلامية وما لدينا الان هو بقايا اربد العثمانية على التل السرايا «السجن» وقد تحول البناء الى متحف -وهو انجاز كبير حقاً-وهناك «مدرسة حسن كامل الصباح»، وهي بناء عثماني ضخم وصالح للاستعمال، وتخطط البلدية لتحويله الى مدرسة للفنون الجميلة والتراثية، بينما اتخذت قرارات عاجلة لحيازة ثالثة بيوت قديمة واستخدامها مرافق ثقافية: بيت النابلسي «بيت جمعة» واخيراً «بيت علي خلقي الشرايري»، الزعيم الوطني الأردني-الثائر ضد الاستعمارين الفرنسي والانكليزي صاحب فكرة جامعة اليرموك… القائد في الجيش العثماني ورئيس حكومة اربد قبل الامارة واول وزير اردني في حكومتها… واول من نادى بانشاء الكيان الوطني الاردني… هذا الرجل الكبير اصبح منزله الان، دكاكين تجارة بعدما تم هدم احد جدرانه! واذا كان ذلك يجرح مشاعر الوطنيين الاردنيين، فان خطة البلدية لاعادة ترميم منزل علي خلقي (واعلانه متحفاً للحياة السياسية ومرفقاً ثقافياً في اربد) هي خطة تنعش القلب… لولا ان اليد ما تزال قصيرة فمشروع احياء وسط مدينة اربد، هو عملية متكاملة مستمرة لا تتوقف على قرارات بالحيازة الفورية لبضعة بيوت قديمة، وانما تتطلب صيانتها وترميمها وادامتها وادارتها في اطار مديني شامل يربط «التل» بساحة افراح اربد القديمة -والتي هي الان سوق خضار!! انتهاء بالبركة الرومانية وهي الان موقف سيارات -بحيث يكون لدى اهالي اربد، في النهاية مقطعاً طولياً حضارياً في وسط مدينتهم، يعطيها ملامحها الاصيلة، والفراغ الداخلي اللازم للحركة والحياة والحرية.
تصوروا ان اربد القديمة كانت، بالفعل مدينة… أي ان تخطيطها كان يقوم على خدمة الاحتياجات المدينية -او الاجتماع المدني وابسط مطالبه وجود ساحات عامة -بينما اربد الحديثة هي مجرد «كامب» مكتظ معجوق بلا فراغات او معالم ومن دون ازالة «سوق الخضار»، واستعادة ساحة اربد الى الحياة، لن تكون اربد «مدينة».
الساحة الحرة للاجتماع المدني سوف تنشئ الفراغ الضروري لابراز معالم اربد القديمة، وربطها بحركة مرور دائرية تخلق قلباً نابضاً للمدينة ولقد كانت في اربد بركة رومانية جميلة، تم تحويلها الى مكب نفايات ثم ردمت واستخدمت مواقف للسيارات وحين تتم ازالة الانقاض من البركة، واعادة ترميمها، واستخدامها مجدداً بركة ماء، سوف يتكون لدينا المقطع المديني الحضاري في وسط اربد من «التل» الى «البركة» تربطه شبكة ممرات المشاة، وتسوره البيوت الثقافية، والمسجد الجامع… ويدور في النهاية حول «الساحة العامة».
ويعدد الصديق وليد المصري، الجوانب الوطنية والاجتماعية والتنموية لمشروع احياء وسط اربد «بما لا يقدر بمال… او بمردود» فكيف نحسب مثلاً «جدوى» احياء الذاكرة الجمعية لاهالي المدينة، وربط الاجيال الجديدة منهم بقلبها الحضاري، وكيف نحسب «جدوى» تشكيل منطقة القلب للتفاعل المدني في تجمع سكاني يختنق بسبعماية الف مواطن يعيشون في اللا مكان، لانهم لا يرتبطون بـ «مركز» حضري، ومع ذلك فللمشروع جدوى تنموية… بل وجدوى مباشرة -بعيدة المدى -من خلال زيادة موارد البلدية، وتمكينها من التحرر المالي.
سوى ان احلام الصديق وليد تمتد الى خارج اربد -المدينة، الى قرية «شطنا» المجاورة. و«شطنا» قرية ساحرة الجمال، وقد هجرها معظم اهلها الى عمان والزرقاء… وهم متعاونون-كلياً-للتطوع في انجاح مشروع يستهدف تحويل «شطنا» الى قرية ثقافية ومحج للشعراء والادباء والفنانين التشكيليين، ومركز للفنون التراثية والعروض الدرامية وسوى ذلك من النشاطات الثقافية والبيئية في مساحات القرية وبيوتها القديمة وسط الطبيعة الغناء.
***
ونحن نتحدث في الاخير عن «بضعة ملايين» نعتقد ان توفيرها ممكن اذا توفرت لدى نخبة اربد -ولدى المثقفين الاردنيين بعامة -الارادة السياسية للضغط على الحكومة من اجل تبني مشروعات بلدية اربد الحضارية
انقذوا اربد!
مدينة بلا قلب… ليست مدينة!أنقذوا إربد
Posted in Uncategorized.