الدرس اللبناني

ناهض حتّر
فشل الجيش الاسرائيلي، في النهاية، في تحقيق أي من أهدافه العسكرية والسياسية. بالعدوان على لبنان. القصف الجنوبي الاجرامي للأهداف المدنية والمدنيين، لم يوقف صواريخ حزب الله، ولم يؤد الى تصدع في الجبهة الداخلية اللبنانية. بالعكس، انتقلت اغلبية اللبنانيين، شيعة وسنة ومسيحيين ودروزاً، الى صف التأييد الحماسيّ للمقاومة الاسلامية التي تمكنت من الحاق الهزيمة بجيش العدوّ على الحدود اللبنانية الفلسطينية.

وتعبيراً عن اليأس، لجأ الاسرائيليون، أمس، الى ارتكاب جريمة حرب ضد الاطفال والنساء والشيوخ في قانا. فهل كانوا يظنون ان الانتقام الاجرامي سوف يؤدي باللبنانيين الى الاستسلام قبيل زيارة كوندوليزا رايس الى بيروت، العكس هو ما حصل: فؤاد السنيورة- رئيس وزراء 14 اذار – نفسه، اعتذر عن استقبال رايس الا للبحث في الوقف الفوري غير المشروط لاطلاق النار. العالم كلّه لم يعد يحتمل المزيد من الجرائم الاسرائيلية. انه يطالب بوقف فوري لإطلاق النار.. من دون شروط. رايس نفسها خضعت، واعتبرت انه «حان الوقت لوقف النار».

حسناً. هذا ما سيحدث وقف لاطلاق النار وتبادل للأسرى، وفق شروط حزب الله الذي صمد ولم يتزحزح عن شبر من الأرض اللبنانية، ولم يسلم سلاحه، وواصل اطلاق الصواريخ الى العمق الاسرائيلي، ما يدل بوضوح، على ان الحزب لم يتأثر بالقصف غير المسبوق للطائرات والبوارج الاسرائيلية التي دمرت البنى التحتية في لبنان، وقتلت المدنيين، ولكنها لم تستطع ان تمسّ البنية الأساسية لقدرة حزب الله.

الحديث الآن عن «قوات دولية» على الحدود اللبنانية- الفلسطينية، وعربية على الحدود اللبنانية – السورية، ليس له معنى. و«الشرق الاوسط الجديد» تبين انه حَمْلٌ كاذب. ولن تكون هناك عودة الى ما قبل 12 تموز بالطبع. ولكن، بالمعنى المضاد لما تريده رايس: لقد تحطمت صورة الجيش الاسرائيلي كقوة ردع لا تُغلَب. الهزيمة لحقت بالاسرائيليين فعلاً. ان جيشهم مجرد عصابة اجراميّة فعالة. لكنه غير قادر على تحقيق مكاسب عسكرية أو سياسية، أمام مقاومة مصممة.

الآن، انفتح طريق جديد امام الفلسطينيين، هو طريق النصر بالمقاومة. ولن تستطيع جهة فلسطينية – بعد الآن- ان تقف في وجه الاجماع الوطني على المقاومة.

.. وحزب الله، الخارج منتصراً من مواجهة دامية مع الاسرائيليين، سوف يحظى، منذ الآن، بمكانة قيادية وهيبة لدى سنة العراق وشيعته، سواء بسواء، وسوف يكون بامكانه ان يلعب دوراً رئيسياً في تلافي الانقسام المذهبي في البلد، والحرب المذهبية الاهلية، لصالح تجديد وتوحيد المقاومة العراقية.

والمشرق العربي كله، على موعد جديد، مع انطلاق حركة التحرر في مواجهة الهجمة الامريكية – الاسرائيلية.

من كان «المغامر» اذن؟

حزب الله .. ام التحالف الامريكي – الاسرائيلي؟

***

هذا السيناريو لتطور الاحداث، رسمناه، في هذا العمود، منذ اليوم الاول للعدوان الامريكي – الاسرائيلي على لبنان، ودعمناه بالمعطيات والمعلومات والتحليلات المستفيضة، في وقت كانت تتوالى فيه الهجمات السياسية الرسمية والصحافية على حزب الله «المغامر» .. والاداة الايرانية … الخ.

لا اكتب ذلك، الآن، على سبيل التفاخر المهني، بل للدلالة على ان صحافياً فرداً يمكنه، باستخدام المعطيات المتاحة، والعلاقات والجهاز التحليلي المحايد، ان يتوصل الى قراءة الاحداث بصورة ديناميكية.

الآن، نقرأ في صحافتنا، مقالات تدعي الحكمة بأثر رجعي، وتحاول ان تساير التطورات، بينما كان كتابها، قبل اسبوعين، ينددون «بمغامرة» حزب الله، ويصدرون الفتاوى ضده باعتباره اداة ايرانية! تريد توريط لبنان والعرب لحساب طهران!

أتمنى أن يكون «الدرس اللبناني» مناسبة لمراجعة آليات التفكير والتحليل والاستشارات وصنع القرار في بلدنا. ويمكنني ان اضع خلاصات هذا الدرس كالتالي:

(1) ضرورة تلافي التسرع في اتخاذ مواقف وإصدار تصريحات.

(2) التوقف عن الايمان بان الولايات المتحدة قوة إلهية لا تقهر، وعدم الركون الى «المعلومات» والتحليلات الامريكية – من دون اهمالها بالطبع -.

(3) فتح خطوط اتصال مع كل الاطراف والقوى المحلية والاقليمية والدولية.

(4) الاصغاء الى الرأي الآخر، واخذ التحليلات المضادة بالاعتبار كعنصر من عناصر اتخاذ القرار.

(5) تلافي الاصطفاف في جبهات مغلقة.

Posted in Uncategorized.