عتاب ..

ناهض حتّر
إذا صحَّ أن بعض أهلي في الكرك، قد يتحدثون عن منع زوَّار ضريح الصحابي جعفر الطيار، فستكون هذه – بالنسبة لي – فاجعة شخصية..

* * *

عن الكرك، المدينة والمعنى، كتبت جُلَّ نصوصي. واهدت إليّ المدينة قلبي على طبقٍ من نُحاس الحنان، ورسمت للاردن، معالم قرنه العشرين..
الكرك بتاريخها الموغل في القدم، المكلل بالغار، هازمة العبرانيين القدامى، ناصرة الرسول صلى الله عليه وسلم وقاعدة صلاح الدين، بقلعتها الشامخة وناسها الطيبين الشجعان، وتجسيدها الشخصية الاردنية نصف البدوية نصف الفلاحية، وميلها الغريزي الى التمرد والشعر والصَدح والحب والمرح، وبنزعتها الى المساواة والعدالة – ليست مجرد مدينة اردنية، بل حجر الاساس في اي بناءٍ نظريٍ للوطنية الاردنية.وقد حاولتُ هذا البناء – مدى عمري – وكانت الكرك، في التحليل والبصر والبصيرة، بوصلةً هادية..
أفتعُطي الكرك، من مدى روحها العظيم، مساحةً للتعصب المذهبي؟!
كلا. ليست هذه المساحة السوداء من روح الكرك، ولامن تراثها، ولا من نبضها الاصيل.
الكرك مدينة التسامح. بل قل: مدينة المحبة المنبسطة الدافقة: تتالت عليها الاديان، والمعتقدات، و المذاهب الاسلامية – بما فيها المذهب الجعفري – فلم تشقَّ قلبها الواحد، بل اضاءته بانوار متعددة، عديدة، متراكبة، فلكأن الكرك، نفسها، هي معتقدٌ ومذهب! الانسجام المسلم – المسيحي في الكرك، ليس «تعايشاً» بل طريقة عيش .. فمن اين جاء ذلك التعصَّب المذهبي .. وضدَّ مَنْ؟ ضدَّ ضيوف المدينة وضريح الصحابي الذي «ينام» في ارضها، قرير العين.
في هذه مخالفة صريحة لتاريخ الكرك، وروحها، وعاداتها العربية، وكرمها المشهود..
وانا افهم – واتفهم – وألمسُ الجرح الذي خلَّفه اعدام الرئيس صدام حسين في حفلةٍ مذهبية حاقدة بدائىة، للكرك العروبية، محبة العراق، ونصيرة مقاومته الباسلة .. غير ان المجرم، هنا، هو نفسه، اعني الاستعمار الامريكي. ولعل كل نبضة عراقية او عربية، تنحرف عن مواجهة العدو الحقيقي الى افتعال عداواتٍ لا اساس لها، هي انجرار وراء المطلوب امريكياً.
هل جاءتكم – ايها الاهل الاحباء – انباء العراق؟ ان حملة بوش الصغير الجديدة، تغض الطرف عن فرق الموت المذهبية، هنا وهناك، وعن حلفاء ايران.. وتركز، مثلما توقعنا، على المقاومين، سنة وشيعة ومسيحيين .. فأول مَقْتلةٍ امريكية – بعد الخطة – كانت في شارع حيفا السنيّ في بغداد، والثانية، كانت في النجف الاشرف، لذبح تيار شيعي مقاوم، معادٍ للاحتلال وحكومته، ولايران ومليشياتها، وللمرجعية التي تمنح الاستعمار وعبيده، الفتوى..
نيران بوش الصغير، لا تفرّق في العراق، بين سنيٍ وشيعي ومسيحي وصابئي وعربي وكردي .. انها تريد اجتثاث العراقيين المؤمنين بوحدة العراق، وحريته، ونهضته .. وكل من يقاوم الاحتلال وشركاته النفطية، بالفكر والسلاح.

* * *
من السنة العراقيين، هنالك من تآمر وخان وشارك في حكومة المحتلين.. بل ونسج الحبل لشنق الرئيس صدام .. ومن الشيعة العراقيين،، هنالك من قاوم .. ويقاوم الاحتلال، والمتواطئين معه من عملاء «السافاك الاسلامي» الصورة ضبابية حقاً .. لمن لا يشاهد علاماتها، ويصغي لنبض الارض . .وهي ترعد بالثورة العراقية الشاملة المتجهة نحو مستقبل الوحدة والحرية.
وفي «مذهبي» ان رسالة الكرك للعراق، هي الرسالة التي تعبر عن مدينة العروبة حقاً، وتتجه، كذلك، نحو ذلك المستقبل.
العراق حاضر في الروح الاردنية، ليس فقط لدواعٍ قومية، وانما، بالاساس، لأن العراق الموحد الحر المزدهر هو عمقنا الاستراتيجي والثقافي والروحي.. وعلى الاردنيين – في هذه المرحلة العصيبة – تقع مهمة «التأثير المعاكس»، الاستراتيجي، في حفز العراقيين على الاتحاد والمقاومة.

اليست هذه هي راية الكرك؟.

Posted in Uncategorized.