فرصة ضائعة في مصر

ناهض حتّر
نتائج الانتخابات العامة هي، على العموم، محصلة موازين القوى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتنظيمية، القائمة عند اجراء الانتخابات، وليست خلاصة المنافسة الواعية الحرة بين الرجال والافكار.

لو كان الامر كذلك، لكان مرشحو اليسار-وليس الاخوان المسلمين او الحزب الوطني- هم الذين حصدوا اصوات الفقراء والمهمشين في الانتخابات المصرية.

«الاخوان» -مثلهم مثل الجناح النيوليبرالي في الحزب الحاكم بقيادة جمال مبارك- يؤيدون تصفية آخر معاقل الاصلاح الزراعي والقطاع العام الناصريين، ويدعمون برنامجا متوحشا للخصخصة الشاملة وحرية التجارة وسطوة السوق وقداسة البزنس، ويعتبرون الفقر والتهميش، قدرا لا مناص منه، يتم تلطيفه بالاحسان والاعمال الخيرية.

و«الاخوان» -مثلهم مثل الجناح التقليدي في الحزب الحاكم- يرفضون التعددية السياسية، ويصبون كل جهودهم لسحق القوى الاخرى، الليبرالية واليسارية والقومية، بل للاطاحة بالرمز الباقي من ثورة 23 يوليو، خالد محيي الدين.

لماذا يصوّت الفقراء ضد انفسهم ومصالحهم؟ يحدث ذلك ليس بالتهييج الديني او «الوطني» فقط، بل بنشاط شبكات تنظيمية ممولة جيدا ومؤسسات ناشطة وقوى ضاربة واموال كثيفة لشراء الاصوات، وتأمين وصولها الى صناديق الاقتراع.

الفقراء والمهمشون يبحثون عن مكاسب اللحظة الراهنة الصغيرة، وليسوا مستعدين لانتظار الاصلاح الاجتماعي البعيد المدى، ويبحثون عن منفعة شخصية حاضرة، لا عن منفعة اجتماعية آتية. انهم يتحولون -مع غياب الوعي- الى كتلة رجعية.

لا يمكن ان تتطور ديمقراطية سياسية من دون ديمقراطية اجتماعية، تؤمن للمواطنين، الحد الادنى من الحقوق المعيشية والخدمية، وتسمح لكل شخص على حدة بامتلاك الوعي والقرار والشعور بالمسؤولية الوطنية.

التطور الديمقراطي في بلادنا يعتمد اذا، والى امد بعيد، على الطبقة الوسطى، لكن هذه الطبقة هي من الانانية والانكفاء بحيث انها لا تشارك في العمل العام ولا تذهب -حتى- الى صناديق الاقتراع، بينما تتأرجح نخبها المسيسة بين طرفي الاستقطاب الحاصل داخل قوى النظام، ولا تعبر عن المضمون السياسي الخاص لحضورها الاجتماعي. وبذلك، تتراجع الحركة الديمقراطية، ويتأخر الاصلاح السياسي.

اليساريون هم ايضا مستقطبون بين الاسلاميين والنيوليبراليين، بحيث تصب جهودهم، في النهاية، في طواحين الغير، فالحركة تتبلور في الرؤية.. والمؤسسات، لا في النشاط العملي الذي يستهلك طاقة افضل اليساريين من دون جدوى.

شرارة التغيير الديمقراطي الجريئة في مصر، اطلقها اليساريون بشجاعة واخلاص ومثابرة، لكن «الاخوان» هم الذين حصدوا ويحصدون نتائج التغيير، باذلين الحد الادنى من الجهد في تحالفات سياسية اعلامية مع اليساريين، لم تتم ترجمتها، كالعادة، الى تحالفات انتخابية.

صرخات الوعي القومي في مصر اطلقها ويطلقها القوميون، ولكنها تصب في تعزيز صورة «الاخوان»، وتمنح الشرعية القومية لبرنامجهم اللاقومي.

التحالف مع «الاسلاميين» او مع «السلطة» -هو مجرد سقوط في الاستقطاب، وتخل طوعي عن الذات، وعن امكانية نهوض القوة الثالثة الديمقراطية.

Posted in Uncategorized.