ناهض حتّر
لا يوجد امام الشعب الفلسطيني سوى خيارين واقعيين – وثالثهما هو الضياع: الاول هو القبول بخطة شارون – وعنوانها: ارض اكثر وعرب اقل – ومآلها ضم القدس ونصف اراضي الضفة الى اسرائيل والغاء حق العودة وانشاء كانتونات سكانية فلسطينية تحت يافطة دولة منزوعة السيادة والتواصل.
والثاني هو الكفاح المسلح المبادر المثابر الاستراتيجي.
وبالنظر الى عدم جاهزية القوى الفلسطينية للسير الحازم في اي من هذين الخيارين، توصلت الاطراف المعنية الى تفاهم «التهدئة» المعرضة للانهيارات المتلاحقة، جراء اصرار اسرائيل على التصفية السياسية والجسدية لتنظيمات المقاومة. وهذه تجد نفسها مضطرة للدفاع عن نفسها، والثأر لقياداتها وكوادرها الذين يقتلون او يعتقلون، يومياً، ربما بمباركة رسمية فلسطينية وعربية ودولية.
الاخطر من ذلك انه اصبح بامكان اسرائيل، الاستفراد باحد تنظيمات المقاومة الفلسطينية من دون ان تواجه التنظيمات الاخرى التي تلوذ بالصمت، مع ان دورها قادم قريباً جداً.
على المقصلة الان: «حركة الجهاد الاسلامي» التي يشنُّ عليها الاحتلال الاسرائيلي، حملة امنية وعسكرية وسياسية ودبلوماسية من شمال الضفة الى غزة الى دمشق. وتقول تسريبات في الصحافة الاسرائيلية ان السلطة الفلسطينية ومصر، تباركان هذه الحملة، وتشجعانها، آملين بان تقوم اسرائيل بمهمة تصفية المقاومين الفلسطينيين عوضاً عن اندلاع «الحرب الاهلية» في فلسطين، حيث لا تستطيع السلطة عسكرياً وأمنياً، تصفية المعارضة المسلحة.
والمدهش ان تنظيمات المقاومة الفلسطينية – التي تعرف الاتجاهات والتفاصيل جيداً – مصرة على اخفاء الحقيقة عن جماهيرها وتواصل الحديث عن الوحدة الوطنية مع السلطة، بينما هي تنزف من الخنجر الذي في ظهرها، فهي بذلك، لا تخوض الصراع برؤية صراعية. وهي تقوم بعمليات ثأرية بقيادات علنية وشبكات تنظيمية مكشوفة.
لا افهم – ولا استطيع ان افهم – لماذا تصر منظمات المقاومة الفلسطينية، على الاعلان عن اشخاص الاستشهاديين او حتى الاعلان عن تبنيها العمليات الاستشهادية واطلاق الصواريخ؟! ولماذا يتمكن الاسرائيليون من تحديد وقصف سيارة تستقلها قيادات ميدانية؟!
الا يعني ذلك ان فصائل المقاومة الفلسطينية تستخدم العمليات الاستشهادية والعسكرية ضد اسرائىل، لتعزيز وضعها الداخلي، أي في صراعات السياسة الفلسطينية وهو ما يجعلها تتخلى عن ابسط شروط الكفاح المسلح كالسرية، واخفاء القيادات والكوادر والشبكات، والانضباط الامني الصارم، والاستخبارات.. الخ.
لقد كنا نأمل ان تتمثل المقاومة الفلسطينية، تجربة شقيقتها العراقية التي ما تزال حتى الان لغزاً امنياً واستخباراتها اقوى من استخبارات المحتلين الامريكيين واعوانهم، وقادتها غير معروفين، ولا يظهرون في مقابلات تلفزيونية، واستشهاديوها – وهم كثر – غفل الاسماء، ومعظم عملياتها لا يتم الاعلان عنها ابداً اذا كانت مصورة، ما يرهق المحتلين نفسياً واعلامياً ولا يعطيهم، في الوقت نفسه، أية معلومات.
امام المقاومة الفلسطينية طريق طويل وشاق. واذا ما كانت جادة في خيار الكفاح المسلح، فهي ملزوزة الى السرية الكاملة، والانضباط الامني الصارم. وبغير ذلك، فان الثمن سيكون فادحاً جداً مثلما هو الان واكثر.