ناهض حتّر
من الحدود الاردنية – العراقية، هاتفني الصديق عبدالجبار الكبيسي، الخارج من سجون الاحتلال الامريكي. وكان ينتظر السماح له بدخول البلاد. أجريت عدة اتصالات لم تسفر عن نتيجة، ولكن، في النهاية، تم السماح له «بالمرور» في إقامة لا تتجاوز الـ (48) ساعة، الاتصالات اللاحقة أثمرت، لكن بعد أن كان الكبيسي قد حجز تذكرته الى باريس – حيث تقيم أسرته – وكنت أودّ ان نستقبل هذا المناضل – بعد «16» شهراً من العذاب في المعتقلات «الديمقراطية» في البلد الشقيق المحتل – بما يليق بمكانته السياسية.
على كل حال، «العرب اليوم» قامت بالواجب الاردني إزاء الضيف المميّز، وافردت له المساحة التي يستحقها.
قضيتُ عدّة ساعات مع الكبيسي، مكنتني من تكوين صورة غنية بالمعطيات حول التطورات العراقية والمعلومات والتفاصيل. ويؤسفني انني لا استطيع اطلاع القراء إلا على بعضها.
أهمّ ما ينبغي ان يعرفه مؤيدو المقاومة العراقية في بلدنا، ان حركات المقاتلة ضد الاحتلال الامريكي لم تحظ ولا تحظى الآن بأي دعم مالي او تسليحي من قبل النظام السابق – وهذا وهم كنا نتداوله – انما المقاومة هي ابداع فريد من نوعه، يسجل باسم الشعب العراقي، وان تمويلها يتم بتبرعات الفقراء، وباعتماد المناضلين على الدعم الاسري والعشائري، وان قدراتها العسكرية الملفتة للنظر، تعتمد على خبرات الضباط العراقيين في التصنيع العسكري وتطوير وسائل بسيطة وقديمة لخوض المعركة بكفاءة.
المخلصون من البعثيين – وليس كلهم – والوطنيون من ضباط الجيش العراقي وجنوده – تحت تسميات سياسية عديدة – هم الذين تنادوا للمعركة، وصنعوا معجزة المقاومة بالارادة. وهو ما يؤكد مقولة ديغول الشهيرة: «الدفاع هو ارادة الدفاع» فلم يملك الذين قرروا اطلاق المقاومة – ولا يملكون الآن – سوى إرادتهم.. وهذا الوضع، بقدر ما يخلق من المصاعب، فانه يلحم المقاومة بالجماهير، ويبعدها عن الفساد وعن الانجرار الى فخ الحلول التي لا تقوم على مبدأ الانسحاب الكامل للمحتلين.
شيء آخر: التضامن – حتى بأبسط أشكاله – مع المعتقلين العراقيين في سجون الاحتلال الامريكي، يؤثر على الجلادين، سواء لجهة تخفيض الضغوط والتعذيب.. وحتى الافراج. فعلينا، إذن، الا نستهين بحملات التضامن. ومن المفضل ان تكون هذه الحملات معنية – كل مرة – بمعتقل معين.. او بقضية معينة.
علينا ان لا نستهين، ايضاً، بالمقالات والبيانات والتصريحات المؤيدة للمقاومة العراقية. فكلماتنا تقض مضاجع المحتلين وأنصارهم ويشرفني انني كنت واحداً من ثلاثة اردنيين ركز عليهم المحققون الامريكيون، اثناء استجواب الكبيسي «بالاضافة الى ليث شبيلات وهشام بستاني».
أشعر الآن بان كل كلمة كتبتها ضد الاحتلال الامريكي للعراق وجرائمه، وخططه، كانت ذات جدوى، لا أريد ان اكون فخوراً.. فقطرة دم واحدة أثمن من كل الحبر المقاوم. ومع ذلك، فالكلمة الحرة تخترق صدور الوحوش الادمية الآتية من امبراطورية الشر الامريكية. خذوا علماً.