ناهض حتّر
اضطرت ادارة بوش – تشيني للتفاهم مع المعتدلين العرب بشأن العراق، في مواجهة اقتراح لجنة بيكر – هاملتون للتفاهم مع سورية وايران ولكن المساعي الامريكية المتناقضة. والاطراف الاقليمية المتعارضة، وشبكة التفاهمات الجارية كلها تدور في فلك واحد. وهو ليس انقاذ العراق، بل انقاذ المشروع السياسي الامريكي في هذا البلد. ولذلك، فمآلها الفشل المحتوم.
وتتعاطى الاطراف الاقليمية مع هذا «الامر الواقع»، انطلاقا من نظرية تقول أن الانسحاب الامريكي الفوري والكامل، سوف يقود الى الفوضى والحرب الاهلية والتقسيم وانفصال الاكراد وسيطرة ايران على الجنوب، ونشوء امارة للقاعدة في المحافظات الغربية.
ان هذه النظرية باطلة كليا.
اولا: قوات الاحتلال الامريكي في العراق – وبغض النظر عن تدني خسائرها بالمقارنة مع المثال الفيتنامي – فقدت، بالفعل، السيطرة الامنية على البلد منذ ربيع .2004 وبالرغم من كل عملياتها الاجرامية، فهي لم تستطع احراز اي تقدم حاسم، بينما تسيطر الجماعات المسلحة – على اختلاف الوانها – على الميدان، بما في ذلك على الاجهزة العسكرية والامنية والادارية للنظام العراقي الجديد.
وتشير تقارير امريكية الى ان الجماعات المسلحة العراقية، تمكنت، خلال السنوات الثلاث الماضية، من تأمين الاكتفاء الذاتي من الموارد المالية المحلية، خلال بيع النفط واموال الادارات والخوّات والمتاجرة – ما يسمح لها بإدامة تنظيماتها ونشاطاتها وبالمحصلة، فإن الجيش الامريكي في العراق – الحريص بصورة حساسة على تخفيض عدد قتلاه وجرحاه – اصبح في حالة شلل مزمن، واصبح وجوده في العراق بلا طائل من الناحية الامنية، فلا هو قادر على كسر المقاومة، ولا على ضبط المليشيات او كبح الارهاب او وقف الاقتتال الطائفي او الحيلولة دون الحرب الاهلية.
بالعكس، هناك اشارات عديدة ووقائع موثقة عن الارتباط القائم بين قوات الاحتلال وبين العديد من الاعمال الاجرامية الطائفية في العراق. وخصوصا تشكيل وتشجيع «فرق الموت» كأدوات لتصفية الحسابات مع المقاومين والمعارضين، وكذلك تشويه واضعاف نضال الشعب العراقي.
ثانيا: الوجود الامريكي في العراق هو، في الاخير، وجود سياسي.
وأساسه: العملية السياسية القائمة على المحاصصة الطائفية والاثنية، وما افرزت من هيئات برلمانية وحكومية وامنية.
ويستمد هذا الهيكل السياسي، قوته و«شرعيته» من خلال (1) دعم الانفصاليين الاكراد (2) دعم المليشيات الطائفية الشيعية المرتبطة بايران، فهذه المليشيات – ومنها «فرق الموت» – هي التي تمثل عصب «النظام العراقي الجديد»، ومن دونها فإنه سوف يسقط كمجسم كرتوني (3) ودعم قوى طائفية سنية. تبين انها لا تمثل – ولا تستطيع ان تستوعب العرب السنة الذين يشكلون القاعدة السياسية للمنظمات الرافضة للعملية السياسية الامريكية ابتداء. وهم يشكلون، في الوقت نفسه، حاضنة المقاومة، و«القاعدة» معا.
وهكذا نرى ان العملية السياسية القائمة في العراق المحتل، برعاية امريكية، لا يمكن اصلاحها، فهي التي تولّد عناصر وقوى الفوضى الامنية والاقتتال الطائفي والتقسيم. وهو ما يقودنا الى نتيجة واحدة هي ان الغاء كل الترتيبات السياسية التي اقامها المحتلون الامريكيون في العراق، جملة وتفصيلا، هو شرط لا غنى عنه للخروج بالبلد من الدائرة الجهنمية.
الدائرة الجهنمية هي، للتأكيد، الآتية: الوجود الامريكي في العراق مشلول عسكرياً وامنياً. وهو غير ممكن من دون استمرار «العملية السياسية» الطائفية-الاثنية، بينما استمرار هذه العملية السوداء، غير ممكن من دون دعم الانفصاليين الاكراد والمليشيات الشيعية المرتبطة بايران. وهو ما يمكنها من السيطرة على الميدان والادارات والموارد والجيش والشرطة، وهذا الوضع بحد ذاته – يستفز العرب السنة، ويدفعهم لامتشاق السلاح الطائفي.. وهكذا، على ان قلب المعادلة السياسية لصالح العرب السنة سوف يؤدي الى تمرد شيعي وكردي.
أسّ البلاء، اذا، هو في الاحتلال الامريكي وعمليته السياسية الطائفية الاثنية. ولا مخرج من الأزمة العراقية، من دون زوال هذا البلاء اولا.