ناهض حتّر
انضمام التيار الصدري، بصورة رسمية وعلنية، الى الائتلاف الشيعي، يمثل تطوراً سلبياً للغاية في مسار القضية العراقية.
كان التيار الصدري – وما يزال – قوة شعبية ترفض الاحتلال الامريكي. وقد اشتبكت معه، عدة مرات، عسكرياً وسياسياً. والى ذلك، اظهر الصدريون ميولاً وطنية من خلال التضامن مع الفلوجة والمدن السنية الاخرى التي تعرضت للاعتداءات الامريكية، بل ان صلات عديدة نشأت، بالفعل، بين الصدريين وهيئات المقاومة العراقية او ممثليها او الهيئات القريبة منها، في الفترة التي اعقبت احتلال بغداد. وحتى وقت قريب، كان من المأمول ان ينخرط الصدريون مع قوى عربية سنية في قائمة موحدة تخوض الانتخابات العراقية باسم العراق كله، وتحت شعار جدولة الانسحاب الامريكي. وقد تبددت هذه الآمال، للأسف، باعلان التيار الصدري انضمامه الى «حزب الدعوة» بل والى أعدائه السابقين «آل الحكيم وقوات بدر» في قائمة طائفية واحدة، مصدر قوتها التواطؤ المزدوج مع واشنطن وطهران. وهو ما يضع الصدريين، سياسياً، في السياق نفسه، فما الذي حصل؟
لسنا من القائلين بان التيار الصدري هو مجرد حزب طائفي آخر كشف، في النهاية، عن حقيقته. وما زلت اعتقد بان التناقضات بينه وبين قوى الائتلاف الشيعي الطائفي الايراني، هي تناقضات اجتماعية وسياسية جدية، وسوف تعبّر عن نفسها بالتأكيد، ربما في مستقبل قريب. غير ان ما نلاحظه الآن هو ان الاتجاه نحو الانقسام الطائفي الحاد، يتعمق في العراق. «فالشيعة» – على العموم – ينخرطون في كتلة طائفية صلبة. وبالمقابل، فان النزعات الطائفية بين العرب السنة، ترتفع على صوت المقاومة الوطنية. وها نحن نشهد ولادة قائمة عربية سنية، مشكلة على أسس طائفية صريحة لخوض الانتخابات العامة. وهذه انتكاسة كبيرة عن الوضع الذي كان سائداً قبل أقل من عام واحد، حين قاطع العرب السنة، انتخابات 30 كانون الثاني الماضي، باسم العراق كله، خالقين سياقاً وطنياً – تحت شعار المقاطعة – شمل قوى عديدة، بما فيها التيار الصدري الذي قاطع تلك الانتخابات، رسمياً وسياسياً – وهذا هو المهم – بينما شارك فيها صدريون بصفتهم الفردية.
ما اريد قوله، هو ان الطائفية ليست حقيقة ثابتة، بل آلية سياسية نشأت بالاحتلال، واصبحت فعالة، بحيث انها صبغت، بالفعل، الحياة السياسية العراقية، بصبغتها اللئيمة.
ينبغي القول هنا أن الدور المتعاظم ل¯ «منظمة القاعدة في بلاد الرافدين» ونشاطاتها الدعوية والعسكرية ذات الطابع الطائفي، والتي مارست التحريض ضد الشيعة، وتضمنت – او انها اعطت الغطاء لعمليات دموية ضد المدنيين الشيعة – قد لعبت دوراً كبيراً في تعميق الانقسام الطائفي في العراق.
إلا ان النجاح الحالي لآليات الانقسام الطائفي، يعود في رأينا، الى فشل المقاومة العراقية في بلورة برنامج سياسي للمستقبل، يوحد جميع العراقيين، من خلال تجاوز رؤية النظام العراقي السابق، وخطابه، نحو رؤية وخطاب جديدين مؤسسين على المصالحة والنقد الذاتي، وتقديم خطة بديلة لاعادة البناء، تشتمل على حلول ديمقراطية للمشكلات الطائفية والاتنية وتوزيع الثروة، والتنمية، والحريات، والتمثيل السياسي، ودور العراق في محيطة العربي والدولي.
ان هزيمة الاحتلال الامريكي هي المهمة الرئيسية الملقاة على عاتق جميع الوطنيين العراقيين، إلا انها ليست المهمة الوحيدة. فاعادة بناء المجتمع والدولة والثقافة في العراق، هي مهمات أساسية، والحوار حولها ليس قابلاً للتأجيل، طالما ان الاجماع الوطني هو مقدمة لا بد منها لهزيمة المحتلين.0