ناهض حتّر
العدوان الذي يشنه الجيش الاسرائيلي على غزة، ليس له أيّ غطاء سياسيّ في أي سياقٍ كان، سواء أمن وجهة نظر الشرعية الدولية أم من وجهة نظر السلام العربي- الاسرائيلي.
لقد استجابت المقاومة الفلسطينية، أخيراً، لمطالب حلفائها واصدقائها.. وملاحظات نقادها، ووضعت جانباً الأسلوب الملتبس للعمليات الاستشهادية ضد المدنيين الاسرائيليين داخل اراضي ال¯ ،48 ونأمل انها سوف تلتزم بهذا النهج، بما في ذلك منظمة الجهاد التي لم توقع على وثيقة الأسرى.
والوثيقة التي تنصّ، صراحة، على حصر أعمال المقاومة ضد جيش الاحتلال والمستوطنين في أراضي ال¯ ،67 تنهي الجدل التقليدي حول التداخل- من وجهة نظر السياسة الدولية- بين المقاومة و«الارهاب»، وتمنح المقاومة الفلسطينية – شاء من شاء وأبى من أبى- غطاء كاملاً من الشرعية، وفق المواثيق الدولية ومبادئ القانون الدولي ونصه وروحه.
وقد جاء اقرار «وثيقة الأسرى» في توقيت ملائم، بمنحها صدقية نضالية، بعيد تنفيذ عملية «تبديد الوهم» الانموذجية، من الناحيتين العسكرية والسياسية. فهي استهدفت جنود الاحتلال في مواجهة ابداعية وجريئة، أوقعت فيهم قتلى وجرحى بينما تمكن المقاومون من أسر جندي واصطحابه من موقع المعركة، وفق التقاليد الحربّية.
على هذه الخلفية بالذات، ينبغي ان نفهم الحاح اسرائيل العدواني على الانتقام واسع المدى ضد غزة، فإذا اصبحت عملية «تبديد الوهم» مثالاً.. واستراتيجية، فإن ذلك سوف يعيد الاعتبار للمقاومة الفلسطينية، ويخرجها من دائرة العزلة السياسية على المستوى العربي والدولي، ويفتح سياقاً جديداً للصراع في فلسطين.
ستحاول اسرائيل، بكل ما تملكه من أسلحة وطاقة اجرامية، ان تكسر إرادة غزة، قبل ان تستشير ردات فعل انتقامية غير مدروسة ضد المدنيين الاسرائيليين، بهدف اغلاق التحول الجذري الحاصل في مسار المقاومة الفلسطينية.
وفي رأينا، انه مهما كان العدوان الاسرائيلي قاسياً، فإن صمود المقاومة في غزة، وتكبيد الغزاة خسائر جدية، وتلافي القيام بعمليات استشهادية ضد المدنيين الاسرائيليين، ان كل ذلك، سوف يفرض على الارض، معادلة جديدة، تذكر ب¯¯ «تفاهم نيسان» بين حزب الله وتل ابيب، العام ،1996 التي حيدت المدنيين على الجانبين، واعطت للمقاومة، شرعية القتال في إطار القرارات الدولية.
ولا تستطيع الرئاسة الفلسطينية، الآن، بعد الاجماع على «وثيقة الأسرى» – التي أيدها الرئىس محمود عباس، مئة بالمئة، وكان يريد ان يستفتي الفلسطينيين عليها – ان تدين او ترفض عمليات المقاومة التي اعتبرتها «وثيقة الأسرى» شرعيّة. فالرئاسة الفلسطينية، بذلك، سوف تفقد صدقيتها كلياً، وتظهر في موقف استسلامي يرفض «الارهاب» والمقاومة معاً.
تجربة الفلسطينيين مع اسرائيل تؤكد، المرة تلو المرة، ان الاسرائيليين لن ينسحبوا الى حدود ال¯ 67 من دون قتال موجع ومثابر ومقاومة فعالة مستمرة. والأساس في نجاح هذه المقاومة ان تتقيد حرفياً بحدود الشرعية الدولية، وتحتمي بالاجماع الفلسطيني، وتوحد فصائلها القتالية في تنظيم قيادي ميداني واحد، يشكل نوعاً من هيئة الأركان للمقاومة المسلحة.
لقد أضاع الفلسطينيون زمناً طويلاً منذ ال¯ 93 في أوهام أوسلو، وتحصيل الأرض والدولة عن طريق مفاوضات جزئية يتخلى فيها الطرف الفلسطيني، مسبقاً، عن كل اوراقه وقواه، بينما غرقت المقاومة الفلسطينية، في «الأعمال الانتقامية» ضد المدنيين الاسرائيليين، حيث فقدت -أي المقاومة- تأييد الاجماع – الفلسطيني والعربي- واصبحت هدفاً سهلاً للعزل السياسي، دولياً، بتهمة «الإرهاب».