ناهض حتّر
ملف الاقليم لم يعد بين يدي كوندليزا رايس «وزيرة الخارجية الامريكية» بل هو الآن على طاولة الامير سعود الفيصل «وزير الخارجية السعودي» هل يعني ذلك ان النفوذ الامريكي قد انحسر؟ كلا. ولكن واشنطن تدفع ثمن فشلها في العراق. وبدلا من خطط «المحافظين الجدد» المتعجرفة لتغيير – وربما تفكيك – النظام السعودي، اضطرت الولايات المتحدة الى التراجع والاعتراف بالدور المحوري للسعوديين وتسليم «الملف» الى الرياض الخبيرة في شؤون العرب والاقليم.
نجحت السعودية في تأمين الاجماع العراقي على وثيقة الوفاق الوطني، وتقديم الضمانات لمصالح جميع الاطراف – بما فيها الطرف الامريكي – في المعادلة العراقية الصعبة وامنت المملكة، بذلك، ازالة الضغوط السياسية الامريكية المستمرة عليها منذ 11/9/2001 وسيكون امامها ان تواصل الجهود المضنية اللاحقة لتلافي الحرب الاهلية في العراق، وضمان سيطرة العراقيين على الظاهرة الارهابية وتحجيم النفوذ الايراني. ومع بدء الانسحاب الامريكي من ارض الرافدين، سيزداد حجم الدور السعودي وفعاليته. وسواء ارضي الامريكيون ام رفضوا فان هذا الدور هو الرهان الاخير المتبقي لهم للحفاظ على وجودهم في السياسة والاستثمارات النفطية في العراق.
وعلى هامش الشروع في حل العقدة العراقية – وهي العقدة المركزية في الاقليم بدأت الرياض، فعلاً، في التوصل الى سياقات لحل العقدتين السورية «وتالياً اللبنانية» والايرانية.
الموافقة السورية على الوفاق العراقي – وما يتبعها من التزامات سياسية وامنية على الارض – حركت السعوديين – ومكنتهم – من التوصل الى حل المشكلات – التي كانت مستعصية – بين دمشق ولجنة التحقيق الدولية في اغتيال الحريري. جرى الاتفاق على تخفيض مستويات المسؤولين الذين يمثلون غداً، امام اللجنة في جنيف – وليس في بيروت كما كانت اللجنة تصر قبلا – لن يتم اعتقال هؤلاء بضمانات دولية، وسيطوى الملف السوري في سياق تفاهم يشمل العراق ولبنان معاً. سوف تلعب دمشق دوراً اكبر في المصالحة العراقية، وسوف تتكفل السعودية بضمان ترتيب العلاقات السورية – اللبنانية، وتليين المواقف بشأن التوصل الى تفاهم لبناني – لبناني حول سلاح حزب الله وسلاح المنظمات الفلسطينية.
وعلى طريق حل «العقدة الايرانية»، ابدت طهران اشارة حسن النية في عدم اعتراض المصالحة العراقية، والتراجع عن مشروع الكيان الشيعي في جنوب العراق. ولكنها لن تستمر، بالطبع، من دون الحصول على الثمن: تسوية مرضية بشأن برنامجها النووي وتخفيض الضغوط والعزلة عن الجمهورية الاسلامية.
وترجمة كل ذلك على الصعيد الفلسطيني، سوف تقوم به مصر التي تتكفل اجراء ترتيبات الوفاق الفلسطيني الداخلي وادامته، والوساطة، مع اسرائيل، ولكن «العملية السلمية» على المسار الفلسطيني سوف تجري، بالطبع ضمن ايقاع السياسة الداخلية الاسرائىلية المتجهة وراء الحل الشاروني للانفصال بشروط لا تسمح باقامة دولة قادرة على استيعاب الفعالية الديمغرافية والاقتصادية والسياسية الفلسطينية، والمقدر ان الاردن سوف يستوعبها.
في النهاية، فان كل فواتير الاقليم سوف يدفعها الاردن والاردنيون وهذه نتيجة حتمية للسير وراء الامريكيين، والتخلي عن الدور الامريكي، واعلاء شأن البزنس فوق كل شأن «بما في ذلك الكيان الوطني».
يحتاج الاردن من ابنائه المخلصين الى وقفة رجال. فقد اوغلنا في غياب الروح والحضور والارادة، لصالح التجارة! حتى المأساة الدموية في عمان، حولناها الى بزنس! يا لها من صفقة خاسرة.