ناهض حتّر
«وضع الاسرائيليون في لبنان في معضلة صعبة جدا»
كوندوليزا رايس
«قناعة العالم العربي بأن حزب الله خرج منتصراً من الحرب» هي الأخطر»
يهود أولمرت
ما يزال كتّاب اردنيون يساجلون ضد النصر الذي احرزه حزب الله على اسرائيل. فما الخلاصة؟ الهزيمة والاستسلام والقبول بطبخة الحصى المسماة «العملية السلمية».
انتصار حزب الله، في النهاية، انتصار رمزي .. ودرس عملي للشعوب العربيّة في امكانية التصدي للغزاة الامريكيين والاسرائيليين. وهذه هي الرسالة التي وصلت الى القلوب والعقول في العالم العربي، ولم يعد ممكناً انتزاعها من وجدان المواطن، بالحملات الدعائية.
في كل مجابهة من اجل الحرية والنهضة، هناك مغامرة وخسائر.. وتضحيات، لولاها ربما كان البشر ما يزالون قطعانا في الغابات! ولولاها ما كانت تأسست الامة العربية بسواعد قلة من المؤمنين بالرسول الكريم، صدقوا ما عاهدوا الله عليه.. ولم يبدلوا تبديلا. ولولاها ما كانت الثورة الفرنسية اسست عصور الحداثة والمواطنة والديمقراطية.. ولولاها ربما كانت الشعوب ما تزال ترزح تحت النازي. ولا اريد الاسترسال، لكن نظرة على التاريخ سوف تقنع ايا كان، بأن الامم والشعوب تواجه في حياتها استحقاقات جسيمة لا مناص من مواجهتها. والثمن عادة ما يكون باهظا جدا، والنصر الحاسم عادة ما يكون صعباً.. فالعرب انتصروا على الحملات الصليبية بالنقاط وفي سلسلة معارك، لا في نصر دراماتيكي.
نحن، بالطبع، نزدري الأوهام، لكننا نطارد الأحلام. الأحلام هي التي تصنع المستقبل. بهذا المعنى قدم حزب الله للعرب حلماً قابلاً للتحقيق في مواجهة التحدي الوجودي للعدوان الامريكي – الاسرائيلي.
هناك بضعة او كثرة ممن لا يريدون دفع «اتاوة التاريخ» انهم يتوخون السلامة. وهذا حقهم.. لكن ليس من حقهم تشويه او تسخيف المستعدين للتضحية في الصراع الحتمي. وفي النهاية، فإن المقاتل والمسالم، سوف يدفعان الثمن..
المستعمرة الصهيونية في فلسطين قامت على الاغتصاب والعدوان وتشريد شعب بأكمله.. ثم توسعت بالاحتلال، وقدمت نفسها – منذ ال¯ 1956 وحتى 2006 – كأداة عسكرية اجرامية للاستعمار.
كيف نواجه هذا الوجود اللاعقلاني العدواني؟ كيف نسترد – اقله – الارض المحتلة؟ كيف يمكننا تطبيق القرارات الدولية في حدها الادنى: الانسحاب.. المياه. اللاجئين؟ وكيف يمكن التوصل الى حل واقعي – وليس حتى عادلا – للمسألة الفلسطينية؟
اسئلة مطروحة على الوعي العربي. وقد قدم النظام الرسمي العربي أجوبته عليها في خيار سحري: «السلام»! فهل تغيّر أي شيء من ذاك؟ فقط مصر استردت ارضها.. وخسرت نفسها! وريادتها ودورها الاقليمي، وغرقت في الاحباط واليأس والردّة.
على هذه الخلفية، نرى انتصار المقاومة اللبنانية كبيرا بصفته رمزا ودرسا. غير انه نصر كبير ايضا بالمعنى العسكري.. والسياسي.
المقاومة – اي مقاومة – لا تدافع عن مواقع جغرافية ثابتة. ان مهمتها هي الحاق اكبر خسائر بالعدوّ، ومنعه من سحقها، ومن تحقيق اهدافه العملياتية والسياسية. وهذا هو ما فعله حزب الله: كبّد الجيش الاسرائيلي خسائر فادحة، واحتفظ هو بوجوده وقدراته، وفرض على العدوّ مفاوضات تبادل الاسرى.. وغدا مفاوضات الخروج من مزارع شبعا وتلال كفر شوبا.
والنصر – على المستوى السياسي – أهمّ، فقد خرج الخط الوطني اللبناني من عزلته وتفككه، وانتظم في جبهة جبّارة تضم الاغلبية الساحقة من اللبنانيين – من كل الطوائف- وتتبنى برنامجاً تقدمياً للتغيير الديمقراطي، ومجابهة سياسات الليبرالية الجديدة ومؤسسة الفساد..
لبنان دفع ثمناً كان سيدفعه اضعافاً بالاستسلام لكنه خرج من الحرب قوة اقليمية يُحسب حسابها، وسوف يسترد حقوقه في الأرض والمياه، سيداً مستقلاً وحصناً قومياً ضد الاستعمار الأمريكي – الاسرائيلي.
الذي استقدم القوات الدولية ليس حزب الله، بل حكومة السنيورة، بهدف تعزيز ميزان القوى الداخلي لمصلحة جبهة 14 شباط. وهذه «القوات» – اذا لم تلتزم حدود مهماتها – فسوف يعرف الشعب اللبناني كيف يخرجها في 24 ساعة مثلما حدث العام .1983 اما انصار الحرب الاهلية في لبنان، فليست لديهم القدرة، السياسية او العسكرية، على اشعالها.
بالمحصلة.. قد يزعجكم هذا النصر.. ولكنه حصل. وستكون له مفاعيله، لبنانياً وعربياً واقليمياً.