الرمزي اولاً الواقعي اخيراً

ناهض حتّر
فجأة دبّ الحماس في اوصال مجلس الشعب المصري: 150 نائبا تقدموا بطلبات مناقشة لوزير الثقافة فاروق حسني، بسبب ملاحظاته السلبية حول الحجاب. لكن الوزير – الذي لم يحتمل التنديد والشتائم وهجمات التكفير، اعتكف في منزله. لقد ارتكب خطأ حياته. وصار عليه ان يدفع الثمن الباهظ.

مصر – مثلما هو معروف – تواجه مشكلات اقتصادية واجتماعية وسياسية حادة جداً. فبالاضافة الى مشكلات الامن القومي المعقدة، والعلاقات العلنية والغامضة مع اسرائىل، والتحالف المثير للجدل مع واشنطن، وتراجع دور مصر الاقليمي، نشير، فقط، الى العجز المتفاقم للاقتصاد المصري عن توفير فرص العمل وتجديد البنى التحتية والخدمات. وهو ما يؤدي الى انحدار مريع في مستويات المعيشة والحياة بما في ذلك الازمات المزمنة في المسكن والتعليم والطبابة.

في عيد الفطر الماضي، شهدت القاهرة، ظاهرة الاعتداء الجنسي العلني على النساء في وسط البلد، على شكل هجمات ذكورية فقدت كل وازع، طاردت واستفردت بكل انثى لا تصونها حماية رجولية كافية، وذلك على مرأى من رجال الامن العاجزين.

هذه الظاهرة الفاحشة التي تلخص عمق الازمة الاقتصادية والحضارية في البلد، لم تحظ بطلب مناقشة واحد في مجلس الشعب.

مصر تغرق في الجمود والبؤس. وتكاد تخسر كل معاركها في كل الحقول: القيادة السياسية للاقليم، والدفاع عن منابع النيل، والمنافسة الاقتصادية والثقافية والاعلامية، بل انها تخسر في مجال الفنّ لصالح الدراما السورية والاغنية اللبنانية والخليجية.

ومع ذلك، فلا شيء يُلهب نواب الشعب المصري – من المعارضة والموالاة – سوى تصريحات عابرة حول الحجاب. صحيح انها صدرت عن وزير عامل. ولكن اما كان يكفي طلب نيابي واحد لمساءلة الوزير المعادي للحجاب؟.

هذه النزعة الى الثورة العنيفة ازاء التحديات الثانوية، والسكوت ازاء القضايا الكبرى، ليست مصرية فقط، بل عربية واسلامية ايضا.

تصريحات البابا المسيئة للاسلام هي بالطبع، مشينة، ولكن جرائم الاحتلال الامريكي في العراق، وسياساته التي ادت الى قتل 650 الف عراقي وتشريد مليونين آخرين، ربما كانت تستوجب ثورة اعنف من تلك التي انطلقت بسبب تصريحات البابا الا ان الخبر مرّ من دون ان يثير حفيظة احد سوى عدد من الكتّاب والمناضلين؟.

الاقصى نفسه تحت الاحتلال الصهيوني وشعب الاقصى يغرق في دمائه ويتعرض، يومياً، للقتل والمطاردة والتجويع والتهجير، لكن الخبر الفلسطيني الفاجع، لم يعد يثير الحمّيات.

هنالك خطأ ما جوهري في الجملة العصبية السياسية للامة، يظهر على شكل خربطة في الاولويات. فالاوطان والشعوب والتحرر الوطني والديمقراطية والتقدم هي ايضا من المقدسات. فهل ان الخطاب الديني الذي يسيطر على عقل الامة الآن، يجعلها اكثر حساسية ازاء الرمزي بدلا من الواقعي؟ ام ان اليأس من اصلاح الواقع، يدفع الجماهير الى التعلق العنيف بالرموز؟.

حسنا! ربما يكون هذا الخطاب. وهذا اليأس، وجهين لعملة واحدة!.

Posted in Uncategorized.