ناهض حتّر
لم يعد الانسحاب الامريكي من العراق، موضع نقاش، بل مسألة توقيت واخراج يحاول استدراك الهزيمة الكاملة. لقد فقدت المغامرة الامريكية في العراق، التأييد الداخلي بنسبة 67 بالمئة، بل ان اتجاه الرأي العام الامريكي الى عدم التدخل في شؤون البلدان الاخرى، هو الآن اكبر مما كان عليه عقب حرب يتنام «1976» حين كان 41 بالمئة من الامريكيين «بعقدة يتنام» ومضمونها عدم التورط في مغامرات عسكرية خارجية. «وعقدة العراق» تجعل الان 42 بالمئة من الامريكيين، انكفائيين. وهذه النسبة مرشحة للتصاعد الدراماتيكي.
الداعية الرئىسي للانسحاب الفوري من العراق الان، النائب جاك ميرثا، محارب قديم في يتنام. وعلى الرغم من انه ديمقراطي، فهو احد اركان مؤسسة الحكم، ويكاد ان يكون «رجل القوات المسلحة» في الكونغرس وقد توصل -مثل كثيرين من رجال المؤسسة الامريكية- الى «أننا نخسر الحرب في العراق».
ميرثا يعبر عن الوضع المأزقي للقوات الامريكية في الميدان التي تفتقر الى الاعداد الكافية من الجنود للقيام بالمهمات الضخمة امام مقاومة مصممة وفوضى أمنية شاملة. يتحدث ميرثا عن «هبوط همة القادة الميدانيين» ليس فقط بسبب القتلى «2086» والجرحى المعطوبين «15568» حتى الان، ولكن ايضاً لانها حرب عبثية، تم التراجع عن الهدف الرئىسي منها «وهو ادارة العراق مباشرة لاعتبارات استراتيجية ونفطية» في تشرين الثاني .2003 ان كل ما فعله الامريكيون بعد ذلك التاريخ الذي قرروا فيه استحالة تطبيق خطتهم الاصلية، هو عبارة عن ردات فعل ووقت ضائع.
القوات الامريكية -والاجنبية الحليفة- سوف تبدأ بالانسحاب التدريجي من العراق في مطلع العام .2006 والخطة الأولية هي سحب 80 الف جندي امريكي «من اصل 169 الف جندي» ثم 70 ألفاً اخرين في العام ،2007 والاحتفاظ بقوات قليلة «للمساعدة» لكنها، بالطبع، خطة على الورق. فحالما يبدأ الانسحاب سوف يستمر ويتسارع دراماتيكياً، علماً بان الابقاء على قواعد عسكرية امريكية دائمة في العراق، قد تم سحبها من التداول. والاستراتيجية الامريكية الجديدة تقوم على تقديم تعهد بان الولايات المتحدة لن تقيم مثل تلك القواعد في اي مكان في العراق؟ وكذلك جزء من التسوية المطروحة، التي انطلقت الاسبوع الماضي في اجتماعات اللجنة التحضيرية لمؤتمر الوفاق الوطني العراقي بالقاهرة.
مصادر المؤتمر اشارت الى ان احد الخيارات المطروحة هو احلال قوات من الدول العربية تحت راية «الجامعة»، بدلاً من قوات الاحتلال. لكن ذلك قد لا يكون ضرورياً، بالنظر الى تفاعل التفاهمات الداخلية في العراق. فمن المتفق عليه الآن ان يتم استيعاب آلاف الضباط وضباط الصف من الجيش العراقي القديم الى الهيئات العسكرية الجديدة، ما يجعلها متوازنة اجتماعياً وسياسياً واكثر كفاءة. والاهم ان هناك تعهداً من قبل اوساط المقاومة العراقية بالقضاء على ظاهرة الارهاب ومنظماته، حالما يتم البدء بالانسحاب الامريكي.
من الآن وحتى الانتخابات العراقية في 15 كانون الاول المقبل، سوف تتفاعل عناصر التفاهم العراقي، ومع ولادة حكومة عراقية جديدة، تمثل، نسبياً، مجمل الوان الطيف، سوف يعلن بوش الصغير «النصر»، واستراتيجية خروج من العراق.
أمام الحكومة الاردنية الجديدة، فرصة ووقت قصير، من اجل اصلاح السياسة الاردنية نحو العراق، بالاستناد الى بيان الوفاق العراقي، بما في ذلك المطالبة بانسحاب عاجل للقوات الامريكية والاجنبية من العراق، والاعتراف بشرعية المقاومة ضد المحتلين، والمبادرة الى لعب دور في تزخيم ديناميات المصالحة الوطنية في البلد الشقيق والحليف الاستراتيجي للمستقبل.
اذا لم نفعل شيئاً ايجابياً الآن، فربما نجد انفسنا، قريباً جداً، خارج المعادلة الاقليمية الجديدة.