ناهض حتّر
الهواجس العربية، المبالغ بها، حيال السياسات الايرانية، ووصفها «بالمشروع الصفوي» استنفر مشروعاً اخر من الماضي ايضاً، هو المشروع العثماني، فالعثمانيون، على كل حال، هم الذين تصدوا للصفويين.
رئيس الوزراء التركي، رجب طيب اردوغان، ممثل الاسلام السني العثماني والعلمانية القومية الطورانية معاً، استذكر، صراحة اتفاقية العام 1926 واعلن انها تمنح انقرة الحق، حال انفراط وحدة العراق، بالتدخل واستعادة «ولاية الموصل».
الاتراك يفكرون، اذن، بالذهاب الى ما هو ابعد من منع قيام دويلة كردستان العراق. ستكون هذه خلف «الحدود التركية» السنية في مواجهة التمدد الشيعي الايراني، وبالمنطق العثماني وفي سياق الصراع الشيعي – السني، كحقيقة اولى في المنطقة، لن يكون هناك مكان للقومية الكردية.
هل يرى الانفصاليون من الاكراد العراقيين، الفرحون بالاحتلال وبالتنازع المذهبي بين مواطنيهم العرب وبالتقسيم .. الى اين وصلوا؟
الاكراد، اذن، يحتاجون، ايضاً، الى وحدة العراق، ولا مناص لهم من المشاركة في اعادة تأسيس الدولة العراقية الموحدة الحرة القوية. ام تراهم سيواصلون حفر قبورهم، بالتحالف مع الاحتلال والصدام حول كركوك؟.
غير ان المشروع العثماني من شأنه بالقدر نفسه ان يزعزع الامن القومي لتركيا. ذلك ان وحدة الاكراد، العراقيين والاتراك، داخل حدودها، سوف يؤذن بانفجار شامل للمسألة الكردية داخل الدولة التركية.
على الجبهة الاخرى، توضح الضغوط الامريكية على حلفاء ايران في العراق، ان نفوذ طهران في هذا البلد المحتل، مرهون بالتواطؤ الامريكي.
شرّد الامريكيون – مقتدى الصدر – المرتعد خوفا – واحتجزوا عمار الحكيم واذلوه في رسالة سياسية واضحة، ومنع الضباط الامريكيون في المخابرات العراقية، رئيس الوزراء نوري المالكي، من دخول « غرفة ايران» فهل سيتمكن هؤلاء من مجابهة الطلب الاسرائيلي، ضرب ايران عبر الاجواء العراقية، عداك عن منع الفرق الامريكية الخاصة من العمل الاستخباراتي، داخل الاراضي الايرانية، استعدادا للحرب؟
اننا ازاء سخرية التاريخ المريرة من اولئك الذين حاولوا التحايل عليه، وبناء نفوذهم ونظامهم تحت الاحتلال. فهذا العراق المحتل المنقسم مذهبياً، يظهر، بوضوح، كخاصرة رخوة للامن القومي الايراني، وليس منطقة نفوذ – كما توهم الملالي.
ايران، ايضاً، قابلة للتفكك المذهبي والاثني تحت الضربات الامريكية – الاسرائىلية – بينما يتصاعد نفور الشيعة العراقيين من حضورها واحزابها في مناطقهم.
لقد وضعت طهران ثقلها وراء احزاب مذهبية تبين انها تصلح لعصابات ارهاب المدنيين، والقتل على الهوية والنهب والسلب، لكنها تسقط امام اول غضبة احتلالية، ويظهر ان النظام العراقي – محط آمال الايرانيين – ليس سوى بناء كرتوني وحكومة دمى.
اذا كانت سورية في وضع افضل نسبياً لأنها اقرب الى قوة حقيقية «المقاومة» منها الى حكومة المنطقة الخضراء، فهي لا تستطيع، بعد، التردد والانتظار.
دمشق تستطيع الآن الضغط على طهران، وتستطيعان معاً، تأمين وحدة القوى المناهضة للاحتلال في جبهة تحظى باعتراف البلدين، ودعمهما.
وبالنسبة للمعتدلين العرب، فانهم مهددون – جديا – جراء ربط سياساتهم ومصالحهم بالنجاح الامريكي – غير الممكن – في العراق. فهل يتوصلون – بعد استنفاد «الفرصة الاخيرة» لتشغيل السلام الفلسطيني الاسرائىلي – الى الاجندة الوحيدة الصحيحة. وهي الضغط على واشنطن لمغادرة العراق – برعاية الاعتدال العربي – وليس ضده – وهو ما يفتح الباب امام التسويات على جميع الجبهات الاخرى.
بمعنى من المعاني، فان الاجندة التي تلبي مصالح جميع الاطراف الاقليمية هي اجندة واحدة تتمثل في تجاوز آثار غزو 2003 واعادة تأسيس الدولة العراقية الموحدة الحرة، بل ان هذه «الاجندة» هي الاقل كلفة بالنسبة للولايات المتحدة – المهددة بخسارة نفوذها واصدقائها في المنطقة – وبالنسبة لاسرائىل التي لن تكون في مأمن من التغيير السياسي والنيران المندلعة في الاقليم.
انها لحظة تاريخية عجيبة، حين تتقاطع مع مصالح الافرقاء – بلا استثناء – في اجندة واحدة، يتجاهلونها جميعاً.