ناهض حتّر
تعيش الولايات المتحدة الآن، نوعاً من الانشقاق السياسي بين «حراس المؤسسة الامريكية» وتمثلهم لجنة الاجماع الجمهوري – الديمقراطي، لجنة بيكر – هاملتون، وبين بقايا المحافظين الجدد المغامرين، وتمثلهم ادارة بوش – تشيني.
حراس الامبراطورية الذين استعادوا الهيمنة على الرأي العام الامريكي والكونغرس، توصلوا الى مقاربة استراتيجية مضمونها الاساسي هو ان الحفاظ على النفوذ الامريكي في الشرق الاوسط، يستلزم تغييرات جذرية في السياسة الامريكية باتجاه الانسحاب من العراق، والتفاهم مع ايران وسورية، واستعادة زخم العملية السلمية.
بالمقابل، فان ادارة بوش – تشيني، المحاصرة، تسعى لمحاولة جديدة لانقاذ سياساتها الشرق اوسطية، بهجوم معاكس: زيادة القوات الامريكية في العراق لتعزيز خطة تأمين العاصمة بغداد، واعادة هيكلة النظام العراقي التابع باستقطاب مشاركة سنيّة فاعلة، واستبعاد المتشددين – السنة والشيعة – وكذلك، تعزيز الوجود العسكري في الخليج للضغط على ايران، واخيراً: عرقلة التسويات الداخلية في فلسطين ولبنان.
ولدى الفريقين، امكانيات لتشغيل الصراع الداخلي حول السياسة الخارجية لدى «الحراس»، قوة النفوذ السياسي والبرلماني والاعلامي، ولدى بوش – تشيني، قوة الصلاحيات الرئاسية.
وعلى هذه الخلفية، علينا ان نكون حذرين في الاستنتاجات، «فالحراس» بدأوا بالفعل، اتصالات دبلوماسية الكونغرس مع سورية.. بينما اظهر بوش – تشيني، نزعة واضحة للتصعيد. وكلا الفريقين مكبل بالاخر، الامر الذي سيقود الى اضطراب غير مسبوق في الخطط الامريكية، وهذه يمكن فهمها، منذ الان على وجهين.
زيادة عديد القوات المقاتلة في العراق، قد يكون جزءاً من خطة تأييد الاحتلال وانجاحه، غير انه يمكن ان يكون، من الناحية العسكرية، ضرورة لتغطية انسحاب آمن. مثلما ان زيادة البوارج في مياه الخليج يمكن ان يكون استعداداً للعدوان على ايران، أو للضغط عليها من اجل تسوية.. كما من اجل تعويض خسارة العراق.
في النقاش المؤسسي الامريكي هناك وجهتا نظر، تقول احداهما ان الانسحاب من العراق سوف يؤدي الى انهيار الوجود الامريكي في الشرق الاوسط، ولذلك ينبغي بذل كل المساعي للبقاء في بلاد الرافدين، وانجاح المشروع الامريكي فيها، بينما تقول الثانية بان الانسحاب ذاك، بالعكس، سوف يؤشر ايجاباً، على استعادة واشنطن مكانتها في المنطقة، ويخفض العداء الشعبي لها، ويضمن استيعاب الخصوم.
هل سيقوم الامريكيون بحرب جديدة على ايران؟ احسب ان ذلك صعب جداً، بالنظر الى معارضة الكونغرس والمزاج السياسي المضاد للحرب في الولايات المتحدة، وكذلك بالنظر الى اضطرار ادارة بوش – تشيني الى التعامل الايجابي مع الضغوط الروسية والصينية والتردد الاوروبي.
قرار العقوبات الذي اصدره مجلس الأمن الدولي حيال ايران، افرغته موسكو من مخالبه. وهو لن يهدد المشروع النووي الايراني، ولن يوقف التعاون الروسي مع طهران في المجالات النووية غير المشمولة في القرار الذي ينصب على نشاطين فقط، هما التخصيب والصواريخ البالستية، ويستهدف الحيلولة دون انتاج الاسلحة النووية، ولكنه لا يعرقل البرنامج النووي السلمي. اكثر ما يمكن لبوش – تشيني فعله ضد ايران، زخّة صواريخ سيكون ثمنها باهظاً جداً في العراق، عسكريا وسياسيا.
وفيما يتصل بالمحاولات التي بدأت الادارة الامريكية بذلها لاعادة ترتيب النظام السياسي العراقي، فهي ولدت ميتة. فلا الائتلاف الشيعي قادر على استبعاد الصدر، ولا الحزب الاسلامي قادر على الاندراج في تحالف مع حزب آل الحكيم. ومن الواضح ان السياسة العراقية تعود الى المربع الاول لما بعد الاحتلال، بالتركيز، مرة اخرى، على تحالف شيعي – كردي، مضمون الاتفاق على التقسيم، والتفاهم المتبادل على الانفصال الكردي – شاملاً كركوك – والانفصال الشيعي تحت امارة آل الحكيم.
بالمقابل، تزداد المقاومة العراقية، قوة واقتداراً في الميدان، وتنفتح آفاق لقيام بديل وطني جبهوي فوق طائفي. تعززه انتفاضة العشائر العربية، السنية والشيعية، ضد مليشيات الموت في الجانبين.
ما يمكننا ان نقترحه على السياسة الخارجية الاردنية بشأن العراق، الان، هو الحذر، وفتح قنوات الاتصال والحوار مع جميع الاطراف العراقية.. وكذلك مع المعارضة الامريكية.