هيكل .. والاردن!؟

ناهض حتّر
لم تشهد مصر، ابداً، حركة قومية عربية، بل مصرية: كانت، قبل ثورة 23 يوليو ،1952 تتوجه الى اوروبا وتستعلي على العرب والعروبة. وهي – نفسها – في ظل عبد الناصر، اعادت اكتشاف محمد علي وفتوحاته الشامية، ولاحظت ان مصالح مصر تقتضي، توسيع دائرة نفوذها على المستوى العربي “وكذلك الافريقي والاسلامي” وهكذا صدرت القومية المصرية في طبعة عربية، كان محمد حسنين هيكل، هو منظرها الاساسي، وما يزال.

على هذه الخلفية، شنت الناصرية – بقلم هيكل وافكاره – سلسلة من الحملات الايديولوجية ضد الحركات والقوى العربية المنافسة، سواء اكانت تلك عائلات مالكة كالهاشميين والسعوديين ام احزاباً ثورية – وقتها – كالبعثيين والقوميين السوريين الاجتماعيين ام احزاباً تعبر عن الوطنيات المحلية، ابتداء بالكتائب اللبنانية وانتهاء بالحزب الشيوعي العراقي! وهكذا، اذا رأينا اللوحة – بكليتها – فسوف نكتشف الحسابات المصرية وراء السياسات العربية للناصرية والدبلوماسية المصرية – ما عدا فترة السادات – وقد كان خلاف هيكل مع السادات، يدور بالاساس، حول دور مصر العربي، تحديداً. والقضية الفلسطينية هي مفتاح هذا الدور، من «حركة القوميين العرب» و «فتح» و الثورة الفلسطينية في عهد الكفاح، الى دور المخابرات المصرية في المفاوضات الفلسطينية – الاسرائىلية في عهد التعاطي مع خطة شارون.

ما يثير دهشتي، وسط كل ذلك،ان هيكل -وهو استاذ كبير ومتمكن، وله كامل الحرية في نقد القوى والانظمة السياسية – حرص، دائماً، على احترام الاوطان، والشعوب.. ماعدا الوطن الاردني والشعب الاردني. وها هو، في ثمانيناته، ما يزال مصّراً على عدائيته نحو الاردن -البلد، وما يزال يعتبره «منطقة بلا اسم» متجاهلاً مشاعر ومصالح الاردنيين.

لماذا؟ هل تنقصه المعلومات؟ ام ان الغاء الاردن هو ضرورة داخلية للايديولوجية الناصرية التي تنظر الى الكيان الفلسطيني كامتداد مصري في بلاد الشام، وتنظر الى الاردن بصفته قطعة مأخوذة من فلسطين؟!

حسابات هيكل الاستراتيجية، معقدة للغاية. وهو لا ينطلق، في عدائه للاردن، من حسابات اسرائىلية. ولكن، بالنظر الى موازين القوى، وتعقيدات اللحظة الراهنة، فهي تصب في تلك الحسابات حتماً. فأي مساس بشرعية الوطن الاردني، يتطابق – مهما تزيَّا ايديولوجيا – مع احتياجات المشروع الصهيوني.

الى ذلك، فانه اذا كان يحق للمفكر – بالتأكيد – ان يهاجم من يشاء من الانظمة والقوى، فهل يحق له – اخلاقيا – ان يسيء الى الاوطان، ويجرح مشاعر الشعوب وعزتها؟!.

Posted in Uncategorized.