ناهض حتّر
السلط، الحاضرة القديمة للديار الأردنية، هي آخر المعاقل التي تذكر بالحقبة العثمانية في البلاد، بكل ما يعنيه ذلك، حضارياً وسياسياً، أعني: وطنياً، فالسلط – القديمة – هي شاهد حيّ على التجذّر التاريخي للمجتمع الأردني الحديث – المتهم بأنه مصطنع وطارىء!.
صحيح ان الكرك تشهد، واربد – وحواضر أخرى على عراقة وأصالة التكوين الوطني الأردني، لكن للسلط رمزيّة «المركز» الذي نشأ من قلب – وفي قلب – التطور الاقتصادي – الاجتماعي – السياسي الاردني خلال القرون الثلاثة التي سبقت قيام الامارة، وشكلت القاعدة الايديولوجية للوطنية الاردنية والكيان والدولة.
تعرضت السلط منذ الستينات، للتراجع المستمر في دورها التقليدي كمركز أردني ومنذ وقت أبكر، هجرتها موجات متلاحقة من أبنائها. وربما حدث، في العقد الاخير، تبدل عميق في بنيتها الديمغرافية والثقافية. وهو ما انعكس في حالة من الشلل السياسي – يقابله النزوع الى التطرف – كما لو ان السلط، حزام فقر معزول.
في هذا السياق الاجتماعي – السياسي – وعنوانه التراجع والضمور – اخذ الطابع الخاص لعمارة السلط العثمانية، يضمر وينحلّ بقوة… في تجسيد للترابط المديني بين المجتمع والعمارة والثقافة.
بذلك، ولذلك، اصبحت السلط منطقة لمشروعات الانقاذ التراثي. بمعنى آخر: أصبح المجتمع المحلي عاجزاً عن إعادة انتاج ذاته، ثقافياً ومعمارياً.. ودخلت المدينة في ملف المشروعات الدولية – والعائلية – «للمحافظة على تراث» مضى!.
هذه المشروعات، بمنظورها وطبيعتها، جزئية، مسورة، خارج التفاعل الاجتماعي – الثقافي المحلي. ولذلك، فان اكثر ما يمكنها انجازه هو خلق بؤر تراثية حضارية ولكن متحفية، بينما تغرق المدينة في اللا – مدينة، في الفوضى المعمارية والثقافية.
«المشروعات»- ومعظمها ناجح ومتقن- هي، بالطبع، موضع ترحيب.. لكن بينما يتم انفاق الأموال وتركيز الجهود على إنقاذ وترميم وإحياء منجزات معمارية، هنا أو هناك.. فإن عمليات الهدم والتخريب، ماضية على قدمٍ وساق..
هذا الأسبوع، أوجع قلبي هَدْمُ واجهة بناء قديم في قلب البلد، لاقامة دكانين بشعين، البناء كان «خرابة» من الداخل، وكان يمكن استغلاله بحصافة مع الابقاء على واجهته. وهذه واقعة واحدة من تردّي الفضاء المعماري الحضاري في السلط، حيث يتم انحلال أو اختراب او هدم الواجهات المعمارية الخلاّبة لصالح منشآت معمارية رديئة، او قبيحة، او بلا خصوصية.
لا تنسَ، بالطبع، الآرمات الكبيرة البشعة التي تتراكم فوق بعضها بعضاً، والاستخدام الفوضوي للأرصفة المُعتدى عليها من قبل أصحاب المحلات .. والآرمات، وكذلك الاسواق العشوائية للخضار، ومخلفات القمامة.. و«الصيانة» المشوّهة الساذجة المفتقرة الى الانسجام مع العمائر الجميلة، والإهتراء المهتمل للعمائر الأخرى.. والاختناقات المرورية الخ الخ أهذه هي السلط؟
إلا ان المسؤول- الاول والاخير- عن انقاذ السلط، ليست جهة أو هيئة أو مسؤول، بل حركة مجتمعية نهضوية، تستطيع ان تستلهم المعنى الوطني لانقاذ السلط القديمة من براثن الانحلال الحضاري.
السلط.. يا وجع القلب!
Posted in Uncategorized.