ناهض حتّر
أخذ رئيس الوزراء، معروف البخيت، وقتاً طويلاً وحرية كاملة، في اجراء التعديل الأول على حكومته. وفي الأثناء، نشأت أوهام – وفي بلدنا لا نملّ منها – عن ان البخيت بصدد «تعديل» جوهري له دلالات سياسية عميقة، من شأنها ان تمكن الرئيس من تنفيذ استحقاقات التغيير والاصلاح في السنة الثانية من ولايته.
أُحيطَ «التعديل» بسرية مطلقة، وأناة غير مسبوقة… فحسبنا ان الرئيس وقع اختياره على صقور، وانه اعتكف مع كل منهم اياماً للتفاهم على السياسات الجديدة. وفي النهاية، تبين ان كل ذلك ضرب من الخيالات الصحافية، «فالتعديل» جلب الى الحكومة وزراء محترمين، ولكن ليس شخصيات سياسية ذات اتجاهات معروفة – بل ان بعض الوزراء غير معروف اصلاً – كذلك، لم يشتمل «التعديل» – كله – على رؤية سياسية.
هنا، يمكننا – للوهلة الأولى – ان نستثني توزير الدكتور محمد العوران للتنمية السياسية. فالعوران شخصية وطنية ونقيب سابق للأطباء، وأمين عام حزب الارض العربية – عضو لجنة التنسيق العليا لاحزاب المعارضة، فهل يعني كل ذلك ان الرجل جاء الى وزارة التنمية السياسية على أساس برنامج اصلاحي او ان توزيره يعني قراراً حكومياً بالتفاهم مع المعارضة على صيغ تسووية لقوانين الأحزاب، والاجتماعات العامة، والانتخابات النيابية؟
أرجو ذلك! أي ان المؤشرات تقول العكس. فلقد تم ابلاغ العوران اولاً بحقيبة «العمل»… ثم، وفي آخر لحظة، جرى تسليمه حقيبة «التنمية السياسية». وحين زرته لتقديم واجب التهنئة، علمت منه انه لم يجلس بعد مع الرئيس للحديث حول اتجاهات وزارته. أي انه لم تحدث اية خلوة او مناقشة بين الرجلين بصدد مضمون مشاركة شخصية معارضة في الحكومة!
العوران – والحق يُقال – كان قد استأذن كل أطراف المعارضة قبل اتخاذه القرار بالمشاركة في الحكومة. ولم يعترض أي طرف منها على ذلك. ثم فوجىء، في اليوم التالي، بالغمز واللّمز والتصريحات السلبيّة. وهو ما يدلّ على انعدام الجدية وسيطرة تقاليد المجاملات على النقاش السياسي في البلد.
احسب ان 95 بالمئة من المعارضين الاردنيين جاهزون للمشاركة في اية حكومة .. بل وسبق ليساري معروف ان شارك في حكومة كانت تعتقل رفاقه بالذات، وتبدأ سياسات التجويع ضد الكادحين ..
المهم الآن، ان العوران في مأزق سياسي. فهو في مواجهة اختيار صعب للغاية: فاما ان يتمسك ببرنامج احزاب المعارضة بشأن قوانين التنمية السياسية – وكان هو يتبناها شخصيا ويدافع عنها – واما ان ينتقل الى وجهة النظر الحكومية.
في الحالة الاولى، فان الحاج العوران على مواقفه المعروفة، وقبول الرئيس بها، ومن ثم تكريسها رسميا .. يعني ان توزير الرجل هو، بالفعل، مبادرة سياسية تُحسب للبخيت .. وبغير ذلك، يمكن لوزير التنمية السياسية الجديد ان يغادر موقعه، مرتاح الضمير، محملا المسؤولية للرئيس الذي لم يتفاهم معه مسبقا حول القضايا المطروحة في مجال وزارته.
وفي الحالة الثانية، سوف يسجل العوران، تكرارا معهودا للنماذج المعتادة من توزير المعارضين ..
****
على مستوى آخر، اسجل للتعديل، توزير موظف من القطاع العام للصحة، ليس من فئة الرأسماليين المستثمرين في حقل الطب. وهذا – بحد ذاته – انجاز. أي ان المهم هنا ان يكون توزير الرجل – سعد الخرابشة – توجها للقطيعة مع برنامج خصخصة الخدمات الطبية العامة لصالح الشركات وعلى حساب الفقراء.
واختم بانني لم افهم تسليم الوزير شريف الزعبي حقيبة العدل وهو يمتلك مكتبا قانونيا خاصا.
وعلى كل حال، فان حصة الليبراليين الجدد في حكومة البخيت، لم تنكفىء، ما يدل على ان ما اشيع عن نزعة البخيت الى تحجيم هذا الحزب، ليست موجودة او ليست قادرة.