ناهض حتّر
ازمة اسعار النفط، لم تصبح وراءنا. انها -بالعكس- امامنا- بينما قدرتنا على استيعابها تتضاءل: العجز في الموازنة العامة بلغ معدلا خطرا «8.1 بالمئة» ولا تملك الحكومة، الموارد اللازمة للسيطرة على التصاعد المستمر المتوقع في سعر برميل النفط، ربما الى مئة دولار. وسيكون على الاقتصاد والمجتمع الاردنيين، ان يتحملا، وحدهما، من دون مساعدة، الآثار الوخيمة الناجمة عن الازمة المتفاقمة، والاسوأ ان الحكومة لا تملك الرؤية الاستراتيجية في الارادة السياسية او حتى الخطة للتعامل معها، سوى القاء العبء على المواطن.
سوف تستمر الحكومة في الامل بأن التراجع المزمن في المساعدات والمنح الخارجية، ليس حقيقة دائمة وانما حادث طارئ. وستراودها احلام تصدير بضاعة سياسية مجزية، وسنغرق نحن في الكوابيس.
ماذا تستطيع الحكومة ان تفعل؟
هذه الحكومة بالذات لا تستطيع ان تفعل شيئا، ولكن صيغة حكومية- سياسية جديدة نوعيا، سيكون بمقدورها- مدعومة بالاجماع الوطني- ان تتخذ حزمة سياسات بديلة: وقف الخصخصة، وزيادة الضرائب على الدخول الكبيرة والارباح الرأسمالية- خصوصا العقارية- وضبط الانفاق العام بصورة جذرية وتوجيه الموارد حسب نظام صارم للاولويات الاجتماعية والتنموية، وبطبيعة الحال، تنفيذ خطة للانتقال من السيارة والشاحنة الى القطار، ومن الزيت الثقيل الى الغاز «في الصناعة» واخيرا، الشروع في بناء احتياطي نفطي.
لا تكفي هذه المساحة للحديث عن البدائل بالتفصيل. لكن، فقط، للاشارة الى ان هناك منهجاً اقتصادياً – اجتماعياً اخر، غير ذلك الذي اسقطت الازمة المالية المتصاعدة، اي النهج الليبرالي الكمبرادوري الذي حول البلد الى سوق حرة للواردات المستنزفة للمدخرات الوطنية، و «الاستثمارات» المعفاة من كل شرط تنموي او اجتماعي، والمضاربات العقارية، وافقار الموازنة، وتبديد المال العام في الانفاق غير المسؤول لصالح المقاولين وتجار الاراضي.. الخ ولسنا، الان، بصدد نقاش ايديولوجي مع هذا النهج، بل بصدد نتائج كارثية مبكرة لممارساته، وهو ما يتطلب مراجعة شاملة نقدية. حرة للسياسات الاقتصادية والاجتماعية المسيطرة.
ان اقفال ملف هذه المراجعة او طمسها، لن يساعدا في تجاوز الازمة، بل في تفويت الفرصة على بناء اجماع وطني لا بد منه لتجاوزها، ونحن لا نطلب، فقط، حرية الكلام، بل الحق في المشاركة باتخاذ القرار الذي تصنعه الان اقلية مغامرة مستبدة، وينبغي ان تصنعه القوى الاجتماعية والهيئات السياسية والشخصيات العامة والمثقفون في حوار وطني شفاف ومسؤول.
لقد حصل النهج الليبرالي الكمبرادوري على الفرصة والوقت والمال والسلطة. وانتهى الى الفشل الذريع. وآن الاوان لكي نراجع الموقف كله.