ناهض حتّر
خلال اسبوعين من القتال الضاري، خرج حزب الله، فعلاً، من العزلة المفروضة عليه منذ 14 اذار ،2005 وقيام جبهة داخلية ضده تحت خيمة القرار الدولي 1559 الذي ينص على تفكيك الحزب.
قبل الحرب، كان الحليف اللبناني الرئيسي الوحيد لحزب الله، يتمثل في «التيار الوطني الحر» بزعامة الجنرال ميشال عون. ولعله من الضروري التأكيد، هنا، ان هذا التحالف كان بالذات – واكثر واهم من الدعم الايراني والسوري – هو الخندق الذي تحصّن فيه حزب الله ضد اعدائه الكثر. «فالتيار» الذي يمثل 75 بالمئة من مسيحيي لبنان – انقذ – بتحالفه مع حزب الله – البلد، من تجديد الحرب الاهلية التي سعت اليها، بصورة حثيثة، قوى 14 اذار، ولكنها عجزت، بسبب انتقال الكتلة المسيحية الرئيسية الى خندق الوحدة الوطنية المؤسسة على تفاهم متين مع الكتلة الشيعية، في ميثاق مفاهيمي وبرنامجي – مكتوب.
لقد شلّ هذا التحالف الذي يمثل الاكثرية الشعبية اللبنانية، قوى 14 اذار على الرغم من استيلائها على البرلمان والحكومة، وقدراتها الضخمة للتجييش الطائفي.
بعد الحرب، صمد هذا التحالف، وتعمق، سواء امن خلال المواقف السياسية التي اعلنها الجنرال عون ام من خلال الدور العملياتي الذي لعبه ويلعب التيار الوطني الحر في التحشيد السياسي للشارع المسيحي وراء الوحدة الوطنية، وتجسيد ذلك في حركة الاغاثة والمساندة المدنية على الارض.
مرة اخرى، لعب «التيار الوطني الحر»، دور الرافعة لكل الحياة السياسية اللبنانية، ولجم، بمواقفه وحراكه، الاصوات الساعية الى اثارة الفتنة الطائفية والمذهبية لاشعال النار في الخندق الخلفي للمقاومة. وهكذا، نشأ في لبنان ميزان قوى جديد، فرض على جميع الفرقاء، حدا ادنى من الالتزام بالوحدة الوطنية. وبصورة خاصة، تستطيع القول ان المواجهة الحاصلة بين حزب الله واسرائيل، ضربت مشروع التجييش الطائفي في العمق. فالسنة في لبنان يمثلون تقليدياً، قاعدة عروبية سوف تستثار الآن.
كل يوم إضافي من القتال يوفر للمقاومة، تحسناً مضطرداً في موقعها من ميزان القوى الداخلي. ذلك انه، في لبنان، هناك قوى مقاومة «نائمة» بسبب التعقيدات المحلية والاقليمية، تتمثل، بصورة أساسية، في القوى اليسارية والقومّية، وحالما يتوسع الاجتياح الاسرائيلي للأراضي اللبنانية، فان القيود السياسية التي كانت مفروضة على الشيوعيين والقوميين السوريين الاجتماعيين، سوف تسقط، وسوف يبادرون – بل ربما انهم يستعدون الآن فعلاً – لتجديد «جبهة المقاومة الوطنية» التي كانت هي قد أطلقت القتال ضد الاحتلال الاسرائيلي بعد رحيل المنظمات الفلسطينية، العام .1982
وفي لحظة المواجهة الشاملة مع المحتلين، ما الذي سيمنع المنظمات الفلسطينية الموجودة في لبنان عن العودة إلى نشاطها العسكري والسياسي؟ وربما يؤدي تطور كهذا إلى اعادة تمركز السياسة الفلسطينية خارج آليات وسياق «السلطة» الناشئة عن اتفاقيات اوسلو، وربما شطب هذه الاتفاقيات واقعياً.
ولا تقف التداعيات المحتملة عند حدود، عند اتساع نطاق الحرب، ليشمل سورية، سواء أبالعدوان عليها أم بقرار منها للحفاظ على دورها. فما هي أقصى نتيجة يمكن ان يحققها الأمريكيون والاسرائيليون في هذه الحالة؟ اسقاط النظام السوري؟ هل يتوقع أحد ان تكون المقاومة السورية أقل قوة من نظيرتها العراقية؟ وما الذي سيحول دون نشوء «هلال المقاومة» من العراق الى سورية الى لبنان وفلسطين؟.
الرهان الأمريكي على اغراق حركات المقاومة بالانقسامات الطائفية والمذهبية والاثنية، أي تفتيت المجتمعات العربية في المشرق، هو الرهان الوحيد لتحدي نهضة جديدة والنجاح في هذا الرهان معناه موات المشرق العربي.
أردت من متابعة هذه السيناريوهات، الاستنتاج بأن العدوان الأمريكي- الاسرائيلي على لبنان، هو المغامرة الكبرى غير المحسوبة، بينما أظهر حزب الله، مع نهاية الاسبوع الثاني من القتال، انه قد درس حساباته بدقة. ولا يتمثل ذلك، فقط، في قدرته على الصمود والقتال، بل في ما هو أهمّ من ذلك أعني: في تأثير صموده وقتاله، البطيء ولكن الأكيد، على وأد الانقسام الطائفي والمذهبي من لبنان.. إلى العراق.