ناهض حتّر
ربما نكون قد وصلنا في العراق الآن الى ما يمكن ان نسميه لحظة «وحدة التناقضات» العربية. فعشية الانسحاب الامريكي من بلاد الرافدين، تقلصت المسافات، واقعياً، بين مصالح العرب المهددين – على اختلاف مواقعهم وطوائفهم وتحالفاتهم ومواقفهم – بخسارة واحد من اهم البلدان العربية. وهي خسارة مزدوجة. ذلك ان العراق ليس الجزر الاماراتية الثلاث، بل الحصن العربي الاوحد في مواجهة «الامبراطورية» الايرانية.
هل يدرك العرب، حجم التحدي، ام انهم سيواصلون تجنب اعباء المسؤولية ومطاردة الاوهام – على الطريقة المصرية – بدعوة الامريكيين الى البقاء في العراق؟
ان هكذا رغبة لا تتسم بالواقعية السياسية، بالاضافة الى أنها تتنافى مع مقتضيات الأمن القومي، وتتجاهل آلام الشعب العراقي.
يمكن، بالطبع تأخير الانسحاب الامريكي بعض الوقت، غير ان ذلك لن يقود الى حل في العراق، بل ان تكرار الفشل وتفاقم الأزمة: ذلك ان بقاء الاحتلال مرهون باستمرار تفجير التناقضات الداخلية وتمزيق البلد، في حلقة دائرية مجنونة لا مخرج منها. اما الرغبة العربية المضمرة باستنساخ «نظام معتدل» في عراق موحد ومستقر فهي مجرد رغبة لا تمتلك الادوات.واخيراً علينا ان ندرك ان توقيت «الانسحاب يخضع لتفاعلات السياسة الامريكية. وهي لا تستطيع ان تتكبد آثار مشروع فاشل الى ما لا نهاية.
الاحتلال وعمليته السياسية – ولو استمرا اصطناعياً، وقتاً اضافياً – فقد اصبحا من الماضي. والمهم، منذ الآن، ان نفكر في «اليوم التالي»، حين يكون على العرب – من دون استثناء – ان يواجهوا مأساة تقسيم العراق بين مناطق «الاحتلال الايراني في المحافظات الجنوبية والوسطى، ومناطق «القاعدة» في المحافظات الغربية، ومناطق الانفصال الكردي. ومن النافل القول انه سيكون لهذا الوضع، آثار سياسية وأمنية مدمرة على المنطقة العربية.
غير ان هناك ما يمكن عمله منذ الآن:
في الاتجاه الاول، دعم المقاومة العراقية لتطهير مناطقها من انصار «القاعدة» وهو ما يتطلب رعاية توحيد فصائل المقاومة سياسياً، وتقديم الدعم المالي واللوجستي والاعلامي لها.
في الاتجاه الثاني، الضغط على الاكراد للتراجع عن الاطماع الاثنية في توسيع حدود منطقة الحكم الذاتي، واستئصال فكرة تجاوزه الى «دولة». وربما يكون هناك بعض التفهم لهذين الاتجاهين، غير ان الغائب، حتى الآن، هو الاتجاه الثالث في ستراتيجية انقاذ العراق. وهو الخاص بدعم الوطنيين الشيعة ضد النفوذ الايراني.
ان القوة الوحيدة القادرة على اقتلاع ذلك النفوذ، والحيلولة دون الاحتلال الايراني المديد لجنوب العراق ووسطه، تتمثل في الشيعة العراقيين. وينبغي الكف، فوراً، عن تأجيج العداء المذهبي المصطنع ضد هؤلاء العرب الاقحاح، ومدّ يد العون الجدي لعشائرهم وقياداتهم الدينية والسياسية الوطنية، المقموعة، جميعاً بمليشيات دموية ارهابيّة تنظمها وتمولها المخابرات الايرانية.
الجماهير العربية الشيعية في العراق هي الأكثر تضرراً من التمدد «الامبراطوري» الايراني.وهي ترزح تحت ثقل المليشيات والعصابات المتسترة بالتعصب المذهبي، لاغراض سلطوية وانفصالية ولصوصية.
وبينما تجثم ايران، بمخابراتها ومليشياتها واموالها وإعلامها، على قلب الشيعة العراقيين، يجد هؤلاء انفسهم معزولين عن اخوتهم العرب، مذمومين ومتهمين في عروبتهم ووطنيتهم، مجردين من الدعم السياسي والمالي والاعلامي، بلا نصير كالايتام على موائد اللئام.
آن الأوان للتدخل العربي الكثيف في العراق، وخصوصا لاستنقاذ الشيعة من براثن الايرانيين. وهو ما يتطلب تصميم استراتيجية شاملة، تبدأ من استئصال جنون العداء المذهبي الأسود، ومدّ جسور الإخاء والدعم للوطنيين والعشائر العربية في جنوب العراق ووسطه. فهؤلاء هم حراس البوابة الشرقية!.
حراس البوابة الشرقية
Posted in Uncategorized.