ناهض حتّر
هاتفتني فضائية “العربية” من دبي للحصول على معطيات حول المواطن الاردني السيد عزيز مساعدة في اطار تحضير حلقة تلفزيونية حوارية معه.
أنا، في الحقيقة، لا اعرف السيد مساعدة مسبقا. لم اتشرف بلقائه في اطار اجتماعي. كما انني لم أقرأ له – أو عنه – شيئاً، ولم اصادفه في نشاط سياسي او ثقافي أو نقابي .. ولكنني بدأت اتقصى عنه، بالنظر الى ضغط زملاء اعلاميين من العالم العربي، بدأوا يلحون، فجأة، بطلب معلومات تساعدهم في نسج قصص اخبارية عن الرجل او التحضير للقائه .. ولكنني لم استطع التوصل الى شيء، سوى ان السيد مساعدة لم يسبق له الظهور في الحياة العامة.
والسبب في ان مساعدة أصبح، بين عشية وضحاها، موضع اهتمام اعلامي ملحاح، هو انه أول مسيحي يحوز موقعاً قيادياً – ولو صغيراً – في حزب جبهة العمل الاسلامي في «الدائرة الثالثة» بعمان، ما أوحى، أيضاً، بامكانية ترشيحه عن المقعد المسيحي فيها.
ويرى الاعلاميون في ذلك، قصة مثيرة تستحق المتابعة.
ويبدو ان الحزب، تنبه الى أن ما أراده اشارة رمزية الى تسامحه، وتعزيز صورته الوطنية، قد تدحرج وتضخم مثل كرة الثلج، اذ انفتحت شهية «الميديا» الى صناعة نجم، بينما اثارت امكانية ترشيح النجم الجديد للانتخابات النيابية، هواجس احتمال سيطرة الاسلاميين على مقاعد الكوتا المسيحية.
وهكذا، تلقيت اتصالاً من الزميل الاعلامي في «العربية» يعلمني بأن الحزب حجب الأخ مساعدة عن الاعلام، ووجدتها مناسبة لاعتذر عن ترتيبات أو آراء طلبها آخرون.
ولا اعرف ما اذا كان الحزب قد رأى في نجومية مساعدة اثارة لا لزوم لها ام انه خشي الحساسيات، ام انه وجد ان رجُله المسيحي ليس مدرباً كفاية على الظهور الاعلامي، أم انه برز قبل تحضير الخطاب الخاص به؟
لست متأكدا من الاجابة الصحيحة. كما انني لا أعرف كيف سيتعامل الحزب مع الموقف لاحقاً. ولكنني ألاحظ ما يلي:
أولاً: ان الحركة الاسلامية قادرة بالفعل، على تحويل مواطنين محترمين غير معروفين. الى قيادات سياسية ونقابية ونيابية، من دون ان يبذل هؤلاء اية جهود تراكمية. وهذا يدل على قوة الحركة الاسلامية، ولكنه يطرح السؤال عن منهج «التقفيز» الذي تتبعناه بالنسبة لعشرات الحالات في العقدين الاخيرين. وأحسب ان هذا المنهج يقوِّض التكوين الديمقراطي للقيادات، من حيث انه يلغي التفاعل الحي بين الفعالية الشخصية وتلك الحزبّية، ويمنح للقيادة المركزية – أو المطبخ – القدرة على تجاوز واهمال تأثير القيادات الدنيا والوسطى، وتحديد ادوارها. وربما كان هذا هو السبب في التناقض الحاصل بين قوة الاسلاميين وضعف القيادات الاسلامية.
ثانياً: ان جزءاً لا يستهان به من قوة الاسلاميين يعود الى «الميديا» التي تعتبر الحركات الاسلامية، مادة اعلامية رئىسية ومثيرة، ربما يتعدى الحجم الواقعي لتلك الحركات، ويقع في باب تأثير الاستشراق والتبعية للاهتمام الغربي المهووس بالاسلام السياسي!
ثالثاً: كان للحركة الاسلامية في الاردن، دائماً اصدقاء ومناصرون من بين المسيحيين. غير ان انضمام عدد محدود من هؤلاء الى حزب جبهة العمل الاسلامي، لا يعني شيئاً خارج الخيارات الفردية، فالحزب، لم يقدم، بعد، تصوراً وطنياً مدنياً، او برنامجاً اجتماعياً تقدمياً، او منظوراً ثقافياً حديثاً في رؤية جديدة قادرة على استقطاب غير المتدينين او أتباع الاديان الاخرى، ما يجعل انتساب بعض الاشخاص الى الحزب، يقع في باب الحالات الفردية.