ناهض حتّر
اقترحنا امس، على اعضاء النخبة السياسية الاردنية -من كل الاتجاهات والالوان والمواقع- ان يستغلوا عطلة العيد الطويلة لزيارات ولقاءات المتقاربين في الاتجاه والرأي والوجدان، بحيث تتحول الاجازة الى ورشات حوار وطني، علما بان اكثرية اعضاء النخبة الاردنية لا يحتاجون الى الراحة. فهم ارتاحوا اكثر مما يجب.
الحوار يدور، اولا، حول الالتزام الفكري السياسي. فعما قريب سوف تشتد الازمات، بحيث لا يعود هناك مكان للفردية. والسياسي -او المثقف- الذي سوف يظل على نفوره من الالتزام، سوف يجد نفسه خارج اللعبة، وخارج التأثير، بينما تستقطب منظمات متطرفة، الميول الاجتماعية الى التحزب والفاعلية.
نكرر ان السياسة اجتماعية بالضرورة، ولا معنى لها من دون اتجاهات وصراع واتفاق ومعارضة. ولئلا نستهلك المزيد من الوقت والجهد بلا طائل، فانه لا معنى، ايضا، للاصطفاف على اسس ايديولوجية. فالايديولوجيات الحاضرة في بلدنا، الدينية والقومية واليسارية والليبرالية، جميعها فائتة، من حيث انها محاصرة بماضيها وظلامها وعلاقاتها، وهي عاجزة عن تقديم اجابات مطابقة للضرورات الماثلة، والحوار فيما بينها وداخلها، اصبح، بالفعل، حوارا فقهيا لا سياسيا. وعضو النخبة الاردنية مطالب اليوم، بالبحث عن شركاء في الرؤية السياسية -وليس الايديولوجية- لبناء التزامات جديدة متحركة نحو الفعل.
علينا ان لا نتورط في تكوين اتجاهات عصبويّة مرتدة الى المكونات البدائية لما قبل الدولة والمواطنة. فالشعب الاردني هو شعب واحد، معيار الانتماء اليه هو الذوبان فيه، وفي الوطنية الاردنية التي هي، وحدها، محور السياسة الاردنية. ولكن الشعب الاردني، منقسم، في الواقع، الى طبقات اجتماعية ومصالح ورؤى، هي التي عليها ان تتبلور في اتجاهات وتيارات، من خلال تقديم اجابات – هي دائما، بالطبع، ناقصة- حول الاسئلة الرئي¯سية التالية:
داخليا، هناك سؤالان مركزيان (1) الاول يتعلق بثقافة وصيرورة المواطنة -سياسيا لا قانونيا- باعتبارها شرطا لا غنى عنه في بناء الدولة الحديثة الديمقراطية.
(2) والثاني يتعلق بالتحديث. وهل هنالك برنامج اقتصادي-اجتماعي مضاد للنهج الليبرالي القائم على الخصخصة واولوية السوق «الاستثمار»، غير الحنين الى الماضي.. وغير المقاومة السلبية، وغير الخضوع لشروط الافقار وتحول الاغلبية الى رعاية الجمعيات والهيئات الخيرية؟
اقليميا، هناك، بالطبع، تحديد المواقف من مجريات الاحداث في العراق ولبنان، والعلاقات مع سورية.. الخ لكن السؤال الرئي¯سي، بالنسبة للنخبة الاردنية، يظل هو السؤال الفلسطيني: وبتحديد اكثر: كيف يواجه الاردن الازمة الفلسطينية؟ وهل آن الاوان لمداخلة اردنية في فلسطين؟ وما هو عنوانها واسسها وآلياتها؟
لقد وصل الوضع الفلسطيني الى مأزق. ورد الفعل الاردني اصبح ايضا في مأزق بين الاتجاه الحكومي للتحالف مع الرئاسة الفتحاوية وفتح.. وبين الاتجاه الشعبي لدعم الحكومة الحماسية وحماس..
ردة الفعل البدائية هذه تشلّ اية مداخلة اردنية، بالاضافة الى انها توتر الوضع السياسي الداخلي..
المطلوب، هو حوار جريء وجدّي حول مداخلة بديلة، ايجابية، تقوم على التوافق الوطني الاردني اولا، وعلى سلسلة من الفعاليات الحكومية والشعبية ثانيا، وعلى رؤى ابداعية، ثالثا.
لدى الاردنيين من كل الاتجاهات، مصلحة اساسية في الحفاظ على الكيان الفلسطيني، وتمكين الفلسطينيين من بناء دولتهم وتحرير اراضيهم والعودة. وهذه عملية تاريخية تتهاوى الان، وتنذر بالانهيار.. فماذا يفعل الاردن لتلافي هذا الانهيار، وتجديد الحياة السياسية الفلسطينية، وترتيب العلاقات الثنائية على اسس راسخة؟
لقد كنا نتبع، سابقا، سياسة دعم السياسة التي يريدها الفلسطينيون.. الان اصبح لدى الاشقاء سياستان، بل سياسات؟ ودعم اي منها لا يعدو ان يكون مساهمة في الشقاق..
علينا، اذا، ان نفكر في صيغة جديدة مبتكرة فاعلة لمداخلة اردنية نوعية في فلسطين، دعونا نفكر في هذا الاتجاه.. دعونا نبحث عن اجابات اصبحت، الان، ضرورة وطنية