ناهض حتّر
اطلق النائب اللبناني سعد الحريري، من مقر اقامته في جدة بالسعودية، امس السبت، ما يمكن اعتباره خطاب الحرب ضد سورية. وعلى الرغم من انه لم يسمّ الولايات المتحدة من بين الدول والقوى التي شكرها بمناسبة صدور «تقرير ميليس»، ودعاها الى دعم هذا التقرير، فان خطاب الحريري، امريكي مئة بالمئة. انه يضع نفسه، صراحة، في خدمة الامبريالية الامريكية ومشروعها الاستعماري الطائفي في المنطقة العربية. وهو يستخدم، بصورة تبعث على الأسى، دماء والده، في الحملة الامريكية الهادفة الى اسقاط النظام السوري في اطار تفكيك وتركيب الهلال الخصيب على اسس طائفية (وحلقتها المركزية: «تشييع» العراق و«تسنين» سورية ولبنان) تحت المظلة الامريكية – الاسرائيلية.
«تقرير ميليس» لم يشتمل، في صفحاته المائة، الا على القليل من المعطيات غير المؤكدة، بالاضافة الى الكثير من الاقاويل والادعاءات والتحليلات التي لا تصمد للنقد، والموجهة، عن عمد، في سياق اتهام النظام السوري كلّه باغتيال الحريري الأب، واستخدام هذه التهمة لمحاصرة سورية، واضعافها وربما غزوها، او احداث انقلاب فيها – بهدف تفكيكها طائفيا، وضرب حزب الله وفصائل المعارضة الفلسطينية. وما يأمله الحريري الابن، هو انتقال مركز الطائفة السنية على مستوى بلاد الشام، الى بيروت، بحيث يكون آل الحريري، الوكلاء الاقليميين للاستعمار الامريكي في مقابل (أو الى جانب..) آل الحكيم في العراق!.
ان مطالبة الحريري الابن ب¯ «محاكمة دولية» لقتلة والده(وهم – حسب «تقرير ميليس» البائس – النظام السوري والقوى المرتبطة به في لبنان وفلسطين – هي اكثر من مطالبة ثأرية.. انها تأتي في سياق سياسي كامل من فتح المعركة الطائفية في سورية ولبنان. وعلينا ان نلاحظ هنا انه بموازاة الصمت الشيعي على «تقرير ميليس»، والحذر المسيحي ازاءه، فان صرخة الحرب صدرت من الحريري الابن، المرشح للزعامة السنية في المنطقة!.
وعند هذا الحدّ، لا يمكننا، بعد، الاستمرار في مجاملة عواطف الحريري الابن، والانتصار للضحية التي تتحول، الان، الى جلاد على مستوى لبنان وسورية والمنطقة.
اغتيال الحريري الاب، ما يزال – وسيظل الى أمد بعيد – قضية غامضة، بسبب الغموض الذي اكتنف النشاطات المتعددة والتحالفات والعلاقات المتشابكة للسياسي ورجل الاعمال الراحل. واذا كنا ندين هذا الاغتيال من حيث المبدأ، فان هذه الادانة لا تعني التسليم بالمشروع السياسي لآل الحريري وحلفائهم، ولا تمنح الحريري الابن، حق الاعتراض على صفقة ممكنة تجنب المنطقة كارثة جديدة، والتمادي في دق طبول الحرب الامريكية.